واستطالت الفتنة وطار شررها حتى عمت خراسان وفارس والحجاز والعراق والشام.
وأغرى هذا النجاح الوزير (الكندرى) على استصدار مرسوم آخر بالقبض على زعماء الفتنة ، واستغل المرسوم في القبض على أئمة أهل السنة! ومنهم الإمام القشيرى (ت ٤٦٥ ه) وإمام الحرمين الجوينى أبو المعالى عبد الملك (٤١٩ ـ ٤٧٨ ه) وأبو سهل بن الموفق ولم يكن في درجتهم العلمية ولكنه كان من الوجهاء مسموعى الكلمة في خراسان.
ونقل خبر القبض على الأئمة إلى أبى سهل بن الموفق وكان متغيبا من حسن حظه ، فعزم على الالتجاء إلى القوة لإيقاف الوزير عند حده وجمع حشدا من أنصاره وتبعهم خلق متذمرون من العامة ، وهاجم بهم أمير خراسان وكسره وأطلق العلماء من السجن. وعقد مجلسا معهم اجتمعت فيه كلمتهم على وجوب الهجرة خشية إعادة الكرة عليهم ، فهاجر منهم جماعة إلى مكة بلغ عددهم الأربعمائة ومنهم الحافظ البيهقى وإمام الحرمين. أما القشيرى فقد قصد بغداد حيث أكرم الخليفة وفادته ـ وكان إذ ذاك القائم بأمر الله (١) (٤٢٢ ـ ٤٦٧ ه) وكان عالما ورعا زاهدا ذا دين وخلق ـ ولما هدأت الأمور عمد الكندرى إلى أبى سهل فقبض عليه وصادر أملاكه وأمواله واستمر في ملاحقة جميع أنصاره.
وبعد وفاة السلطان طغرلبك السلجوقى خلفه على العرش ابنه السلطان ألب أرسلان (٤٥٥ ـ ٤٦٥ ه) فكان أول أعماله هو القبض على الكندرى وإعدامه ، واستوزر أحد جهابذة القرن الخامس الهجرى ألا وهو الوزير (نظام الملك) الذى ذهب فيما بعد ضحية هوس الفرق الدينية.
تسامح أهل السنة :
لم يسجل التاريخ أى تعصب مقيت لأهل السنة ، وبالرغم من أنهم يمثلون الأغلبية إلا أنهم لم يسعوا في يوم ما لإشعال نار الفتن الدينية ، هذا بينما سجل التاريخ لخصومهم ـ وهم أقلية ـ التعصّب الذى ذهب إلى حد الهوس الذى دفع بعض الفرق المتطرفة إلى مهاجمة أهل السنة بضراوة فاقت كل أذى لحق المسلمين من خصومهم.
وقد رأينا من أدلة تسامح أهل السنة أن السلطان طغرلبك اتخذ وزيرا معتزليا رافضيا ، حاول أن يسخّر ثقة السلطان فيه للتخلص من أهل السنة.
ورأينا استبداد البويهيين بالسلطة التى كانت للخلفاء العباسيين مع أن البويهيين كانوا من الشيعة. كما تولى المعتزلة أرقى المناصب ، كما كانوا يحضرون مجالس العلم ومجالس الأمراء ويقومون بالتدريس.
ويذكر لنا المقدسى أن إقليم كرمان كان يغلب عليه المذهب الشافعى عدا جيرفت ،
__________________
(١) ابن تغرى بردى : النجوم الزاهرة ٥ / ٩٨.