وهناك فرق بين تفسير كلام الله تعالى أو تأويله ، وبين إتيان تأويله : فالأول معرفة الخبر ، والثانى هو نفس وقوع المخبر (١) به. وشتان ما بينهما (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) الآية : ٥٣ سورة الأعراف.
فمعرفة الخبر هو معرفة تفسيره. ومعرفة المخبر به هو حقيقة تأويله التى لا يعلمها إلا الله تعالى.
٥ ـ تكليف المؤمنين بطلب العلم :
من التبس عليه معنى آية ينبغى عليه أن يأتى البيوت من أبوابها فيسأل أهل الذكر عما خفى عليه من المعنى ، ويواصل البحث حتى يعثر على من يوصل معناها إليه.
٦ ـ طلب العلم بالمحكم مقدم على ابتغاء العلم بالمتشابه :
قال أبو عبد الله النكرباذى فيما نقله عنه الإمام السيوطى فى الإتقان (٢) فى تعليل تقديم العلم بالمحكم : «لأن المحكم أصل والعلم بالأصل أسبق. ولأن المحكم يعلم مفصلا.
والمتشابه لا يعلم إلا مجملا».
وقوله تعالى : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) إخبار عن الآيات المحكمات بصيغة المفرد. والأم : الأمر الجامع الذى يؤمّ ويقصد ، والأصل المتعين الشيء منه.
ويؤخذ من الآية الكريمة البدء بالضرورى من العلم ومراعاة الأولوية فى علوم المحكم والمتشابه ؛ إذ التهاون فى هذه القاعدة يورث الهلاك.
٧ ـ الذكر الحكيم محفوظ من أن ينال فهمه زائغ :
إن الفهم فى كتاب الله تعالى ـ بعد توافر جميع الشروط التى قررها الأئمة للمفسر ـ موهبة من الله تعالى يهبها لمن يشاء. ومن لم يؤت هذه الموهبة فليس فى وسعه إلا ترديد أقوال غيره عن فهم أو بغير فهم.
والأئمة بعد ذلك متفاوتون فى الفهم فى كتاب الله تعالى حسب استعداداتهم.
والتفاوت فى الفهم كذلك يكون على قدر تفاوت مكانة القرآن الكريم فى القلوب ، وعلى قدر قيام المؤمن بحق القرآن وعلمه بآياته.
ومن دلائل إعجاز القرآن العظيم أنه لا يؤتى الفهم إلا من اعتصم بحبل الله ، واتقاه
__________________
(١) جمال الدين القاسمى : محاسن التأويل ٤ / ٧٦٠.
(٢) الإمام السيوطى : الإتقان ٢ / ١٢.