غلبة التصنيف فى الضرب الثانى من المتشابه المقابل للمحكم :
هناك عوامل أدت إلى غلبة التصنيف فى هذا النوع دون سواه :
منها : أن أهل الفرق يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة بتوجيهه التوجيه الذى يخدم أفكارهم وأهواءهم ونظرياتهم ، فكان هؤلاء أشد خطرا على المسلمين من ألدّ خصومهم ، وقد بدأ معسكر أهل الظلام فى الزحف داخل هذه الوجهة منذ القرن الأول للهجرة بظهور السبئية وفرق الخوارج ، ثم أخذت الملل والنحل والفرق تتكاثر ، وأخذ كل فريق يؤول الكتاب تأويلا يوافق مذهبه. ولما كانت هذه الفرق ذات أصل سياسى فقد امتزج التأويل بالعمل السياسى والصراع على السلطة والنحل ، واشتد هذا النوع من الفكر حتى بلغ ذروته فى القرنين الرابع والخامس من الهجرة ، وأخذت الفرق الضالة والمارقة تلعب دورا خطيرا فى التاريخ الإسلامى ، وتدخلت فى تحديد شروط الخلافة والإمامة بل وشروط الإسلام ، ومن هذه الفرق : القرامطة والباطنية وغلاة الشيعة ، بل تأسست الدولة الفاطمية فى تونس والخلافة الفاطمية فى القاهرة على أساس الدعوة الباطنية التى بلغت فى تنظيم الكوادر السرية مبلغا يشبه ما تقوم به الدعوات الشمولية فى التاريخ الحديث ، وكان الإرهاب أهم عنصر من عناصرها ، فكثرت الاغتيالات التى تهدف إلى التخلص من قادة الأمة وزعمائها.
* ووجدت بعض الفرق أن احتواء الحكام هو أسهل الطرق لتسخير السلطة فى خدمة أغراضهم وتحقيق أهدافهم وحماية أتباعهم والفتك بخصومهم ، فحققوا عن طريق هذا الأسلوب ما لا يحملون بتحقيقه.
* واتخذت بعض الفرق من الغزو الثقافى وسيلة لنشر أفكارهم وبثها بين المثقفين فكان لهم النشاط الوافر فى عالم التأليف (١) ليتمكنوا عن طريق مصنفاتهم من درس أفكارهم وتغطية الحقائق وتعمية القضايا على الجهلة فوقع فى شباكهم من لا خبرة له ولا دراية فى عالم الفكر.
* والتجأت بعض الفرق إلى التزوير العلمى واتخذوا من الدس والتدليس والوضع والافتراء وسيلة لتشكيك الأمة فى أئمتها وقادتها.
* لم تستنكف بعض الفرق من الاستعانة بألد الأعداء لغزو أوطانهم.
واستدعى انتشار الزنادقة والملاحدة ومن فى حكمهم : استدعى ذلك مواجهتهم رسميا وعلميا للحفاظ على الشريعة ووقاية الأمة من كل مفسد ومنافق عليم اللسان.
__________________
(١) راجع : الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن طاهر البغدادى (ت ٤٢٩ ه). والفصل فى الملل والأهواء والنحل للإمام الظاهرى على بن حزم (ت ٤٥٦ ه). والملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى (ت ٥٤٩ ه) وغيرها.