شاء ذبح الغنم أو البقر ثم تصدق به كله ، وإن شاء أكل وأمسك منه ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون شيئا من البدن ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا) فليس الأكل بواجب ولكنه رخصة ، كقوله ـ سبحانه ـ «... وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا (١) ...» وليس الصيد بواجب ولكنه رخصة (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) يعنى لكل قوم من المؤمنين فيما خلا ، كقوله ـ سبحانه ـ : «... أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ (٢) ...» أن يكون قوم أكثر من قوم ، ثم قال : (جَعَلْنا مَنْسَكاً) يعنى ذبحا يعنى هراقة الدماء (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) وإنما خص الأنعام من البهائم لأن من البهائم ما ليس من الأنعام ، وإنما سميت البهائم لأنها لا تتكلم (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ليس له شريك يقول فربكم رب واحد (فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) ـ ٣٤ ـ يعنى المخلصين بالجنة ، ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ) يعنى خافت (قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) من أمر الله (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) ـ ٣٥ ـ من الأموال. قوله ـ عزوجل ـ (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) يعنى من أمر المناسك (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) يقول لكم فى نحرها أجر فى الآخرة ومنفعة فى الدنيا ، وإنما سميت البدن لأنها تقلد وتشعر وتساق إلى مكة «والهدى الذي ينحر بمكة ولم يقلد ولم يشعر والجزور البعير الذي ليس ببدنة ولا بهدى (٣)».
__________________
(١) سورة المائدة : ٢.
(٢) سورة النحل : ٩٢.
(٣) ما بين القوسين «...» : من أوليس فى ر.