فتبرءوا منهم عند الشدة وأسلموهم ، فقال : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) وذلك أنه كان «راهبا» (١) فى بنى إسرائيل «اسمه برصيصا» (٢) وكان فى صومعته أربعين عاما ، يعبد الله ، ولا يكلم أحدا ، ولا يشرف على أحد ، وكان لا يكل من ذكر الله ـ عزوجل ـ ، وكان الشيطان لا يقدر عليه مع ذكره لله ـ تعالى ـ ، فقال الشيطان [١٩١ أ] لإبليس : قد غلبني برصيصا ، ولست أقدر عليه. فقال إبليس : اذهب ، فانصب له ما نصبت لأبيه من قبل. وكانت جارية ثلاثة من بنى إسرائيل عظيمة الشرف جميلة من أهل بيت صدق ، ولها إخوة فجاء الشيطان إليها ، فدخل فى جوفها فخنقها حتى ازبدت ، فالتمس إخوتها لها الأطباء ، وضربوا لها ظهروا وبطنا ويمينا وشمالا ، فأتاهم الشيطان فى منامهم ، فقال : عليكم ببرصيصا الراهب ، فليدع لها فإنه مستجاب الدعاء ، فلما أصبحوا قال بعضهم لبعض : انطلقوا بأختنا إلى برصيصا الراهب فليدع لها ، فإنا نرجو البركة فى دعائه ، فانطلقوا بها إليه ، فقالوا : يا برصيصا أشرف علينا ، وكلمنا ، فإنا بنو فلان ، وإنما جئنا لباب حسنة ، وأجر. فأشرف فكلمهم وكلموه ، فلما رد عليها وجد الشيطان خللا فدخل فى جوفه ووسوس إليه. فقال : يا برصيصا هذا باب حسنة وأجر ، تدعو الله لها فيشفيها. فأمرهم أن يدخلوها الخربة وينطلقوا هم فأدخلوها الحربة ومضوا ، وكان برصيصا لا يتهم فى بنى إسرائيل ، فقال له الشيطان : يا برصيصا انزل فضع يدك على بطنها ، وناصيتها ، وادع لها فما زال به حتى أنزله من صومعته ، فلما نزل خرج منه فدخل فى جوف الجارية
__________________
(١) فى أ ، ف : «راهب» ، والأنسب ما ذكرته.
(٢) فى أ : «وكان اسمه برصيصا» ، وفى ف : «اسمه برصيصا».