على أساس الجمع والجماعة ، وعلى العبد أن يستشعر وجوده ضمن الجمع والجماعة ، حتّى حين يقف متضرّعاً بين يدي الله ، فما بالك في المجالات الاخرى.
وهذا الاتجاه في العبادة يعني رفض الإسلام لكل ألوان الفردية والإنعزال.
الاستعانة به تعالى في كل الامور : يواجه الإنسان في مسيرته التكاملية قوى مضادة داخلية (في نفسه) ، وخارجية (في مجتمعه) ، ويحتاج في مقاومة هذه القوى المضادة إلى العون والمساعدة ، ومن هنا يلزم على الإنسان عندما ينهض صباحاً أن يكرر عبارة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ليعترف بعبوديته لله سبحانه ، وليستمد العون منه في مسيرته الطويلة الشاقة ، وعندما يجنّ عليه الليل لا يستسلم للرقاد إلّابعد تكرار هذه العبارة أيضاً ، والإنسان المستعين حقّاً ، هو الذي تتضاءل أمام عينيه كل القوى المتجبّرة المتغطرسة ، وكل الجواذب المادية الخادعة ، وذلك ما لا يكون إلّاحينما يرتفع الإنسان إلى مستوى القول : (إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ) (١).
(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) (٦)
السير على الصراط المستقيم : بعد أن يقّر الإنسان بالتسليم لربّ العالمين ، ويرتفع إلى مستوى العبودية لله والإستعانة به تعالى ، يتقدم هذا العبد بأوّل طلب من بارئه ، وهو الهداية إلى الطريق المستقيم ، طريق الطّهر والخير ، طريق العدل والإحسان ، طريق الإيمان والعمل الصالح ، ليهبه الله نعمة الهداية كما وهبه جميع النعم الاخرى.
فالإنسان في هذه المرحلة مؤمن طبعاً وعارف بربّه ، لكنه معرّض دوماً بسبب العوامل المضادة إلى سلب هذه النعمة والانحراف عن الصراط المستقيم.
ثمّة سؤال يتبادر إلى الإذهان عن سبب طلبنا من الله الهداية إلى الصراط المستقيم ، تُرى هل نحن ضالون كي نحتاج إلى هذه الهداية؟ وكيف يصدر مثل هذا الأمر عن المعصومين وهم نموذج الإنسان الكامل؟
وفي الجواب نقول : أوّلاً : إنّ الإنسان معرض في كل لحظة إلى خطر التعثر والانحراف عن مسير الهداية ولهذا كان على الإنسان تفويض أمره إلى الله ، والإستمداد منه في تثبيت قدمه
__________________
(١) سورة الأنعام / ١٦٢.