مذهبة للعقل مسلبة للمال.
وعن سبب نزول الآية الثانية فقد ورد في تفسير القمي عن الإمام الصادق عليهالسلام وفي تفسير مجمع البيان قال ابن عباس : لمّا أنزل الله (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ) (١). و (إِنَّ الَّذِين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلُونَ سَعِيرًا) (٢). إنطلق كل من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه واشتدّ ذلك عليهم فسألوا عنه ، فنزلت هذه الآية.
التّفسير
الآية الاولى تُجيب عن سؤالين حول الخمر والقمار (يَسَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ).
«الخمر» : بمعنى كل مايع مسكر ، سواء اخذ من العنب أو الزبيب أو التمر أو شيء آخر ، بالرغم من أنّ الوارد في اللغة أسماء مختلفة لكل واحد من أنواع المشروبات الكحولية.
«الميسر» : من مادة (اليُسر) وإنّما سمي بذلك لأنّ المُقامر يستهدف الحصول على ثروة بيسر ودون عناء.
ثم تقول الآية في الجواب : (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا).
وبناء على ذلك ، فكل إنسان عاقل لا يقدم على الإضرار بنفسه كثيراً من أجل نفع ضئيل.
السؤال الثالث المذكور في الآية محل البحث هو السؤال عن الإنفاق فتقول الآية : (وَيَسَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ».
«العفو» يُطلق على مصاديق مختلفة منها : المغفرة والصفح وإزالة الأثر ، الحد الوسط بين شيئين ، المقدار الإضافي لشيء ، وأفضل جزء من الثروة.
ويمكن أن يكون العفو في الآية هو المعنى الأوّل ، أي الصفح عن أخطاء الآخرين ، وبذلك يكون معنى الآية الكريمة : أنفقوا الصفح والمغفرة فهو أفضل الإنفاق.
ولا يبعد هذا الاحتمال لو أخذنا بنظر الاعتبار أوضاع شبه الجزيرة العربية عامة وخاصة مكة والمدينة محل نزول القرآن من حيث هيمنة روح التنافر والعداء والحقد بين الناس ، والجواب بهذا المعنى لا يتنافي مع سؤالهم بشأن الإنفاق المالي ، لأنّهم قد يسألون عن
__________________
(١) سورة الإسراء / ٣٤.
(٢) سورة النّساء / ١٠.