الغُسل من الحيض. فعلى هذا الأساس وطبقاً للجملة الاولى تكون المقاربة الجنسية بعد انتهاء دم الحيض جائزة حتى لو لم تغتسل وأمّا الجملة الثانية فتعني أنّها ما لم تغتسل فلا يجوز مقاربتها.
وعلى هذا فالآية لا تخلو من إبهام ولكن مع الإلتفات إلى أنّ الجملة الثانية تفسير للجملة الاولى ونتيجة لها (ولهذا اعطفت بفاء التفريع) فالظاهر أنّ (تَطَهَّرْنَ) أيضاً بمعنى الطهارة من دم الحيض وبذلك تجوز المقاربة الجنسية بمجرد الطهارة من العادة الشهرية وهذا هو ما ذهب إليه الفقهاء العظام في الفقه وأفتوا بحلية المقاربة الجنسية بعد الطهارة من الحيض حتى قبل الغسل ولكن لا شك في أنّ الأفضل أن تكون بعد الغسل.
الفقرة الثانية من الآية تقول : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ). أي : أن يكون الجماع من حيث أمر الله وقد تكون هذه الفقرة تأكيداً لما قبلها ، أي آتوا نساءكم في حالة النقاء والطّهر فقط لا في غير هذه الحالة.
الآية الثانية إشارة لطيفة إلى الغاية النهائية من العملية الجنسية فتقول : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
في هذه الآية الكريمة شبّهت النساء بالمزرعة وقد يثقل هذا التشبيه على بعض ، ويتساءل لماذا شبّه الله نصف النوع البشري بهذا الشكل؟
ولو أمعنا النظر في قوله سبحانه لوجدنا فيه إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنساني ، فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة لإطفاء الشهوة ، بل وسيلة لحفظ حياة النوع البشري.
(وَقَدّمُوا لِأَنفُسِكُمْ). هذا الأمر القرآني يشير إلى أنّ الهدف النهائي من الجماع ليس هو الاستمتاع باللذة الجنسية ، فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين ، وأن يقدّموا هذه الخدمة التربوية المقدسة ذخيرة لُاخراهم ، وبذلك يؤكد القرآن على رعاية الدقة في انتخاب الزوجة كي تكون ثمرة الزواج إنجاب أبناء صالحين وتقديم هذه الذخيرة الاجتماعية الإنسانية الكبرى.
وفي ختام هذه الآية تأمر بالتقوى وتقول : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلقُوهُ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ).