إنّ المراد من التسريح بإحسان أن يؤدّي للمرأة حقوقها بعد الانفصال النهائي ، ولا يسعى الإضرار بها عملاً وقولاً بأن يعيبها في غيابها أو يتّهمها بكلمات رخيصة ويُسقط شخصيتها وسمعتها أمام الناس ، وبذلك يحرمها من إمكانية الزواج المجدد ، فكما أنّ الصلح والرجوع إلى الزوجة يجب أن يكون بالمعروف والإحسان والمودّة ، فكذلك الانفصال النهائي يجب أن يكون مشفوعاً بالإحسان أيضاً ، ولهذا تضيف الآية الشريفة : (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّاءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيًا).
فعلى هذا الأساس لا يستطيع الزوج عند الانفصال النهائي أن يأخذ ما أعطاها من مهرها شيئاً ، وهذا المعنى أحد مصاديق التسريح بإحسان.
وتستطرق الآية إلى ذكر مسألة «طلاق الخلع» وتقرّر أنّه في حالة واحدة تجوز استعادة المهر وذلك عند رغبة المرأة نفسها بالطلاق حيث تقول الآية : (إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ). ثم تضيف : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ). أي الفدية أو التعويض الذي تدفعه المرأة للتّخلص من الرابطة الزوجية ، هذه الحالة تختلف عن الاولى في أنّ الطالب للفرقة هي المرأة نفسها ويجب عليها دفع الغرامة والتعويض للرجل الذي يريد ويطلب بقاء العُلقة الزوجية ، وبذلك يتمكن الزوج بهذه الغرامة والفدية أن يتزوج مرة اخرى ويختار له زوجة ثانية.
وفي ختام الآية تشير إلى مُجمل الأحكام الواردة فيها وتقول : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
(فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٢٣٠)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان ، وتفسير روح المعاني أيضاً : جاءت امرأة رفاعة بن وهب القُرظيّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالت : إنّي كنت عند رفاعة فطلّقني فبتّ طلاقي فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وما معه الأمثل هُدبة الثوب (وإنّه طلّقني قبل أن يمسّني) فتبسم النبي صلىاللهعليهوآله فقال : «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا ، حتى يذوق عُسَيلَتَك ، وتذوقي عُسَيلَتَه».