تعقيباً على الآية السابقة التي تناولت هداية المؤمنين بواسطة نور الولاية والهداية الإلهيّة ، وضلال الكافرين لإتّباعهم الطاغوت ، يذكر الله تعالى في هذه الآية : عدة شواهد لذلك ، وأحدها ما ورد في الآية أعلاه وهي تتحدث عن الحوار الذي دار بين إبراهيم عليهالسلام وأحد الجبارين في زمانه ويدعى (نمرود) فتقول : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إِبْرهِيمَ فِى رَبّهِ).
وتعقّب الآية بجملة اخرى تشير فيها إلى الدافع الأساس لها وتقول : إنّ ذلك الجبار تملّكه الغرور والكبر وأسكره الملك (أَنءَاتَيهُ اللهُ المُلْكَ).
وما أكثر الأشخاص الذين نجدهم في الحالات الطبيعية أفراد معتدلين ومؤمنين ، ولكن عندما يصلون إلى مقام أو ينالون ثروةً فإنّهم ينسون كل شيء ويسحقون كل المقدسات.
وتضيف الآية أنّ ذلك الجبار سأل إبراهيم عن ربّه : من هو الإله الذي تدعوني إليه؟ (إِذْ قَالَ إِبْرهِيمُ رَبّىَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ).
الواقع أنّ أعظم قضية في العالم هي قضية الخلقة ، يعني قانون الحياة والموت الذي هو أوضح آية على علم الله وقدرته.
ولكن نمرود الجبار إتّخذ طريق المجادلة والسفسطة وتزييّف الحقائق لإغفال الناس والملأ من حوله فقال : إنّ قانون الحياة والموت بيدي (قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ).
ومن أجل إثبات هذه الدعوى الكاذبة استخدم حيلة كما ورد في الرواية المعروفة حيث أمر بإحضار سجينين أطلق سراح أحدهما وأمر بقتل الآخر ، ثم قال لإبراهيم والحضّار : أرأيتم كيف أحيي واميت.
ولكن إبراهيم قدّم دليلاً آخر لإحباط هذه الحيلة وكشف زيف المدعي بحيث لا يمكنه بعد ذلك من إغفال الناس فقال : (قَالَ إِبْرهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) وهنا ألقم هذا المعاند حجراً (فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وبهذا اسقط في يدي العدوّ المغرور ، وعجز عن الكلام أمام منطق إبراهيم عليهالسلام الحي ، وهذا أفضل طريق لاسكات كل عدوّ عنيد.
ويتضح ضمناً من جملة (وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أنّ الهداية والضلالة بالرغم من أنّهما من أفعال الله تعالى ، إلّاأنّ مقدماتهما بيد العباد ، فارتكاب الآثام من قبيل الظلم والجور والمعاصي المختلفة تشكّل على القلب والبصيرة حُجُباً مظلمة تمنع من ادراك الحقائق على حقيقتها.