تصوّر قطعة حجر صلد تغطّيه طبقة خفيفة من التراب ، وقد وضعت في هذا التراب بذور سليمة ، ثم عرّض الجميع للهواء الطلق وأشعة الشمس ، فإذا سقط المطر المبارك على هذا التراب لا يفعل شيئاً سوى اكتساح التراب والبذور وبعثرتها ، ليظهر سطح الحجر بخشونته وصلابته التي لا تنفذ فيها الجذور ، وهذا ليس لأنّ أشعة الشمس والهواء الطلق والمطر كان لها تأثير سيء ، بل لأنّ البذر لم يزرع في المكان المناسب ، ظاهر حسن وباطن خشن لا يسمح بالنفوذ إليه ، قشرة خارجية من التربة لا تعين على نموّ النبات الذي يتطلّب الوصول إلى الأعماق لتتغذّى الجذور.
ويشبّه القرآن الإنفاق الذي يصاحبه الرياء والمنة والأذى بتلك الطبقة الخفيفة من التربة التي تغطّي الصخرة الصلدة والتي لا نفع فيها ، بل أنّها بمظهرها تخدع الزارع وتذهب بأتعابه أدراج الرياح ، هذا هو المثل الذي ضربه القرآن في الآية الاولى للإنفاق المرائي الذي يتبعه المنّ والأذى.
وفي نهاية الآية يقول تعالى : (وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ). وهو إشارة إلى أنّ الله تعالى سوف يسلبهم التوفيق والهداية ، لأنّهم أقدموا على الرياء والمنّة والأذى بأقدامهم ، واختاروا طريق الكفر باختيارهم ومثل هذا الشخص لا يليق بالهداية.
في الآية التالية نقرأ مثالاً جميلاً آخر يقع في النقطة المقابلة لهذه الطائفة من المنفقين ، وهؤلاء هم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بدافع من الإيمان والإخلاص فتقول الآية : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ).
تصوّر هذه الآية مزرعة خضراء يانعة تقع على أرض مرتفعة خصبة تستقبل الهواء الطلق وأشعة الشمس الوافرة والمطر الكثير النافع ، وإذا لم يهطل المطر الوابل ينزل الطلّ وهو المطر الخفيف وذرات الهباب ليحافظ على طراوة المزرعة ولطافتها ، فتكون النتيجة أنّ مزرعة كهذه تعطي ضعف ما تعطي المزارع الاخرى ، فهذه الأرض فضلاً عن كونها خصبة بحيث يكفيها الطلّ والمطر الخفيف ناهيك عن المطر الغزير لإيناع حاصلها ، وفضلاً عن كونها تستفيد كثيراً من الهواء الطلق وإشعة الشمس وتلفت الأنظار لجمالها ، فإنّها لوقوعها على مرتفع تكون في مأمن من السيول.
فالآية الشريفة تريد أن تقول : إنّ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله لتمكّن الإيمان واليقين في قلوبهم وأرواحهم هم أشبه بتلك المزرعة ذات الحاصل الوافر المفيد والثمين.