وفي ختام الآية تقول : (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). فهو سبحانه يعلم ما إذا كان الدافع على هذا الإنفاق إلهيّاً مقترناً بالمحبة والإحترام ، أو للرياء المشفوع بالمنّة والأذى.
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢٦٦)
هنا يضرب القرآن مثلاً آخر يبين حاجة الإنسان الشديدة إلى الأعمال الصالحات يوم القيامة ، وكيف أنّ الرياء والمن والأذى تؤثّر على الأعمال الصالحات فتزيل بركتها.
يتجسّد هذا التمثيل في صاحب مزرعة مخضرة ذات أشجار متنوعة كالنخيل والأعناب ، وتجري فيها المياه بحيث لا تتطلّب السقي ، لكن السنون نالت من صاحبها وتحلّق حوله أبناؤه الضعفاء ، وليس ثمة ما يقيم أودهم سوى هذه المزرعة ، فإذا جفّت فلن يقدر هو ولا أبناؤه على إحيائها ، وفجأةً تهبّ عاصفة محرقة فتحرقها وتبيدها ، في هذه الحالة ترى كيف يكون حال هذا العجوز الهرم الذي لا يقوى على الإرتزاق وتأمين معيشته ومعيشة أبنائه الضعفاء؟ وما أعظم أحزانه وحسراته!
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) (١).
إنّ حال اولئك الذين يعملون عملاً صالحاً ثم يحبطونه بالرياء والمن والأذى أشبه بحال من تعب وعانى كثيراً حتى إذا حان وقت اقتطاف النتيجة ذهب كل شيء ولم يبق سوى الحسرات والآهات. وتضيف الآية : (كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الْأَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
لما كان منشأ كل تعاسة وشقاء ـ وعلى الأخص كل عمل أحمق كالمن على الناس ـ هو عدم إعمال العقل والتفكير في الامور ، فإنّ الله في ختام الآية يحثّ الناس على التعمق في التفكير في آياته : (كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الْأَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
__________________
(١) «الإعصار» : ريح تثير الغبار وهى تهب من اتجاهين مختلفين بحيث إنها تتجه من الأرض عمودياً إلى السماء.