لإنفاقكم فهو غنيّ من كل جهة ، بل أنّ جميع المواهب والنعم تحت أمره وفي دائرة قدرته ، ولذلك فهو حميد ومستحق للثناء والحمد ، لأنّه وضع كل هذه النعم بين أيديكم.
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٦٨)
مكافحة موانع الإنفاق : تشير الآية هنا وتعقيباً على آيات الإنفاق إلى أحد الموانع المهمة للإنفاق ، وهو الوساوس الشيطانية ، فتقول الآية في هذا الصدد : (الشَّيْطنُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ). ويقول لكم : لا تنسوا مستقبل أطفالكم وتدبروا في غدكم ، وأمثال هذه الوساوس المضلة ، ومضافاً إلى ذلك يدعوكم إلى الإثم وإرتكاب المعصية : (وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ).
«الفحشاء» : تعني كل عمل قبيح وشنيع ، ويكون المراد به في سياق معنى الآية البخل وترك الإنفاق في كثير من الموارد حيث يكون نوع من المعصية والإثم ، لأنّ الإنفاق وإن بدأ في الظاهر أنّه أخذ ، ولكنه في الواقع عطاء لرؤوس أموالهم مادياً ومعنوياً.
جاء في تفسير مجمع البيان عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «أنّ في الإنفاق شيئين من الله وشيئين من الشيطان ، فاللذان من الله هما غفران الذنوب والسعة في المال ، واللذان من الشيطان هما الفقر والأمر بالفحشاء».
(وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلا). وعليه فإنّ المقصود بالمغفرة هو غفران الذنوب ، والمقصود بالفضل هو إزدياد رؤوس الأموال بالإنفاق.
«وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ». في هذا إشارة إلى أنّ لله قدرة واسعة وعلماً غير محدود ، فهو قادر على أن يفي بما يعد ، ولا شك أنّ المرء يطمئن إلى هذا الوعد ، لا كالوعد الذي يعده الشيطان المخادع الضعيف الذي يجرّ المرء إلى العصيان ، فالشيطان ضعيف وجاهل بالمستقبل ، ولذلك ليس وعده سوى الضلال والتحريض على الإثم.
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (٢٦٩)
مع الإلتفات إلى ما تقدم في الآية السابقة التي تحدثت عن تخويف الشيطان من الفقر ووعد الرحمن بالمغفرة والفضل الإلهي ، ففي هذه الآية مورد البحث دار الحديث عن الحكمة