هاتين الآيتين أعلاه فيدور الحديث عن كيفية الإنفاق وعلم الله تعالى بذلك. فيقول الله تعالى في الآية الاولى : (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ).
تقول الآية : إنّ كل ما تنفقونه في سبيل الله سواءً كان قليلاً أو كثيراً ، جيداً أم رديئاً ، من حلال إكتسب أم من حرام ، مخلصاً كان في نيّته أم مرائياً ، إتّبعه المنّ والأذى أم لم يتبعه ، أكان الإنفاق ممّا أوجب الله تعالى عليه أم ممّا أوجبه الإنسان على نفسه بنذر وشبهه ، فإنّ الله تعالى يعلم تفاصيله ويثيب عليه أو يعاقب.
وفي الختام تقول الآية : (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).
«الظالمين» : هنا إشارة إلى المحتكرين والبخلاء والمرائين والذين ينفقون بالمن والأذى ، فإنّ الله تعالى لا ينصرهم ، وسوف لا ينفعهم ما أنفقوا لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أجل فهؤلاء ليس لهم ناصر في الدنيا ولا شفيع في الآخرة ، وهذه النتيجة من الخصائص المترتبة على الظلم والجور بأيّ صورة كان.
ويستفاد من هذه الآية ضمناً مشروعية النذر ووجوب العمل بمؤدّاه.
في الآية الثانية إشارة إلى كيفية الإنفاق من حيث السرّ والعلن فتقول : (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).
وسوف يعفو الله عنكم بذلك : (وَيُكَفّرُ عَنكُم مِّن سَيَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وقد جاء في بعض الأحاديث أنّ الإنفاق الواجب يفضّل فيه الإظهار ، والمستحب يفضّل فيه الإخفاء.
هنالك أحاديث كثيرة بشأن غفران الذنوب بالإنفاق وردت عن أهل البيت عليهمالسلام وفي كتب أهل السنة. من ذلك ما روى في تفسير مجمع البيان : «صدقة السرّ تطفيء غضب الربّ وتطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار».
يستفاد من جملة (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) هو أنّ الله عالم بما تنفقون سواء أكان علانية أم سرّاً كما أنّه عالم بنياتكم وأغراضكم من إعلان إنفاقكم ومن إخفائه.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (٢٧٢)