نحو أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر يأوون إليهم ، فجعلوا أنفسهم في المسجد ، وقالوا : نخرج في كل سرية يبعثها رسول الله فحثّ الناس عليهم ، وكان الرجل إذا أكل وعنده فضل ، أتاهم به إذا أمسى».
التّفسير
خير مواضع الإنفاق : يبيّن الله في هذه الآية أفضل مواضع الإنفاق وهي التي تتّصف بالصفات التالية :
١ ـ (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ). أي الذين شغلتهم الأعمال الهامّة كالجهاد ومحاربة العدو ، وتعليم فنون الحرب ، وتحصيل العلوم الاخرى عن العمل في سبيل الحصول على لقمة العيش كأصحاب الصفّة الذين كانوا خير مصداق لهذا الوصف (١).
ثم للتأكيد تضيف الآية : (لَايَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ). أي الذين لا يقدرون على الترحال لكسب العيش بالسفر إلى القرى والمدن الاخرى حيث تتوفر نِعم الله تعالى ، وعليه فإنّ القادرين على كسب معيشتهم يجب أن يتحمّلوا عناء السفر في سبيل ذلك وأن لا يستفيدوا من ثمار أتعاب الآخرين إلّاإذا كانوا منشغلين بعمل أهمّ من كسب العيش كالجهاد في سبيل الله.
٢ ـ الذين (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ). هؤلاء الذين لا يعرف الآخرون شيئاً عن بواطن امورهم ولكنهم ـ لما فيهم من عفة النفس والكرامة ـ يظنّون أنّهم من الأغنياء.
ولكن هذا لا يعني أنّهم غير معروفين. لذا تضيف الآية : (تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ). فإنّ على وجوههم علامات تنطق بما يعانون يدركها العارفون ، فلون وجناتهم ينبيء عما خفي من أسرارهم.
٣ ـ والثالث من صفات هؤلاء أنهم لايصرّون في الطلب والسؤال : (لَايَسَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) (٢). أي أنّهم لا يشبهون الفقراء الشحّاذين الذين يلحّون في الطلب من الناس ، فهم يمتنعون عن السؤال فضلاً عن الإلحاف ، فالإلحاح في السؤال شيمة ذوي الحاجات العاديين وهؤلاء ليسوا عاديين.
__________________
(١) «حصر» : بمعنى الحبس والمنع والتضييق وجاءت هنا بمعنى جميع الامور التى تمنع الإنسان من تأمين معاشه.
(٢) «الحاف» : من مادة «لحاف» بمعنى الغطاء المعروف ، واطلق على الاصرار فى السؤال لانه يغطى قلب الشخص المقابل.