(وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ). في هذه الآية حثّ على الإنفاق وعلى الأخص الإنفاق على ذوي النفوس العزيزة الأبية ، لأنّ المنفقين إذا علموا أنّ الله عالم بما ينفقون حتى وإن كان سرّاً وأنّه سوف يثيبهم على ذلك ، فستزداد رغبتهم في هذا العمل الكبير.
الاستجداء بدون حاجة حرام : إنّ أحد الذنوب الكبيرة هو السؤال والاستجداء والطلب من الناس من دون حاجة ، لذلك وقد ورد في روايات متعددة النهي عن هذا العمل بشدة ، ففي الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «إنّ الصّدقة لا تَحلّ لِغنىّ».
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢٧٤)
سبب النّزول
جاء في تفسير العياشي عن أبي اسحاق ، قال : كان لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام أربعة دراهم لم يملك غيرها ، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سرّاً وبدرهم علانيةً فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآله فقال : «يا علي ما حملك على ما صنعت؟» قال : «إنجاز موعود الله». فأنزل الله (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) الآية (١).
التّفسير
في هذه الآية يدور الحديث أيضاً عن مسألة اخرى مما يرتبط بالإنفاق في سبيل الله وهي الكيفيات المتنوعة والمختلفة للإنفاق ، فتقول الآية : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ).
ومن الواضح أنّ إنتخاب أحد هذه الطرق المختلفة يتمّ مع رعاية الشرائط الأفضل للإنفاق ، يعني أنّ المنفق يجب عليه مراعاة الجوانب الأخلاقية والاجتماعية في إنفاقه الليلي أو النهاري العلني أو السرّي.
ويمكن أن يكون تقديم الليل على النهار والسرّ على العلانية في الآية مورد البحث إشارة
__________________
(١) ورد مضمون هذا الحديث في كتب تفسير أهل السنّة أيضاً ، وينقله صاحب (الدرّ المنثور) عن ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر ومجاهد. ويرى البعض أنّ علماء الشيعة بالاتّفاق وأكثر علماء السنّة ذهبوا إلى أنّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليهالسلام وفي علماء السنّة : الواحدي ، الثّعلبي ، مجاهد ، السّدي ، الكلبي ، أبي صالح ، علي بن حرب الطائي ، القشيري ، الثّمالي ، الماوَردي ، ابن أبي الحديد وغيرهم.