يستلزم مستوىً عالياً من العلم ، وهذه هي الآيات «المتشابهات».
المنحرفون والشواذ من الناس يسعون لاستخدام إبهام هذه الآيات لتفسيرها بحسب أهوائهم وبخلاف الحق ، لكي يثيروا الفتنة بين الناس ويضلّوهم عن الطريق المستقيم ، بيدَ أنّ الله والراسخين في العلم يعرفون أسرار هذه الآيات ويشرحونها للناس.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (٩)
النجاة من الزيغ : بالنظر لاحتمال أن تكون الآيات المتشابهات وأسرارها موضع زلل الناس ، فإنّ الراسخين في العلم المؤمنين يلجأون إلى ربّهم إضافة إلى استعمال رأسمالهم العلمي في إدراك حقيقة الآيات. وهذا ما تبيّنه هاتان الآيتان على لسان الراسخين في العلم ، وتقولان إنّ الراسخين في العلم والمفكّرين من ذوي البصيرة لا يفتأون يراقبون أرواحهم وقلوبهم لئلّا ينحرفوا نحو الطرق الملتوية ، فيطلبون لذلك العون من الله ، فالغرور العلمي يخرج بعض العلماء عن مسيرهم إلى متاهات الضلال ، لأنّهم لا يلتفتون إلى عظمة الخلق والخالق وتفاهة ما عندهم من علم ، فيحرمون من هداية الله ، أمّا العلماء المؤمنون فيقولون : (رَبَّنَا لَاتُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).
وليس أشدّ تأثيراً في السيطرة على الميول والأفكار من الاعتقاد بيوم القيامة والمعاد ، إنّ الراسخين في العلم يصحّحون أفكارهم عن طريق الإعتقاد بالمبدأ والمعاد ، ويحولون دون التأثّر بالميول والأحاسيس المتطرّفة التي تؤدّي إلى الزلل ، ونتيجة لذلك يستقيمون على الصراط المستقيم بأفكار سليمة ودون عائق ، نعم هؤلاء هم القادرون على الاستفادة من آيات الله كل الاستفادة. (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّارَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لَايُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
في الحقيقة تشير الآية الاولى إلى إيمان هؤلاء الكامل «بالمبدأ» ، وتشير الآية الثانية إلى إيمانهم الراسخ «بالمعاد».
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (١١)