ثم تضيف الآية : (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ). أي إنّك لم تكن حاضراً حينذاك ، بل جاءك الخبر عن طريق الوحي.
يستفاد من هذه الآية والآيات الاخرى الخاصة بيونس في سورة الصافات أنّ من الممكن اللجوء إلى القرعة لحلّ النزاع والخصام الذي يصل إلى طريق مسدود بحيث لا يكون هناك أيّ حلّ مقبول من أطراف النزاع.
(إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٤٦)
هذه الآية تبين حادث ولادة المسيح الذي يبدأ بتقديم الملائكة البشارة لمريم عليهاالسلام بأمر من الله قائلين لها إنّ الله سوف يهب لك ولداً اسمه المسيح عيسى بن مريم ، وسيكون له مقام مرموق في الدنيا والآخرة ، وهو مقرّب عند الله. (إِذْ قَالَتِ الْمَلِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).
تشير الآية التي بعدها إلى إحدى فضائل ومعاجز عيسى عليهالسلام وهي تكلّمه في المهد : (وَيُكَلّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ). فقد جاء في سورة مريم أنّه لدفع التهمة عن امه تكلم في المهد كلاماً فصيحاً أعرب فيه عن عبوديته لله وعن كونه نبياً.
ولما لم يكن من الممكن أن يولد نبي في رحم غير طاهرة ، فإنّه يؤكد بهذا الإعجاز طهارة امه.
والظاهر من آيات سورة مريم أنّه عليهالسلام تكلم منذ بداية تولده مما يستحيل على كل طفل أن يقوم به في هذا العمر عادة وبهذا كان كلامه في المهد معجزة كبيرة ولكن الكلام في مرحلة الكهولة (١) أمر عادي ولعل ذكره في الآية أعلاه مقارناً للحديث في المهد إشارة إلى أنّ كلامه في المهد مثل كلامه في الكهولة والكمال لم يجانب الصواب والحق والحكم.
(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٤٧)
__________________
(١) «الكهولة» : هي متوسط العمر ، وقيل إنّها الفترة ما بين السنة الرابعة والثلاثين حتّى الحادية والخمسين ، وماقبلها «شاب» وما بعدها «شيخ».