(وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بِالْعَشِىّ وَالْإِبْكَارِ). «العشي» : تطلق عادة على أوائل ساعات الليل كما يقال «الإبكار» للساعات الأولى من النهار. وقيل إنّ «العشي» هو من زوال الشمس حتى غروبها و «الإبكار» من طلوع الفجر حتى الظهر.
وفي الآية يأمر الله زكريا بالتسبيح. إنّ هذا التسبيح والذكر على لسان لا ينطق موقتاً دليل على قدرة الله على فتح المغلق ، وكذلك هو أداء لفريضة الشكر لله الذي أنعم عليه بهذه النعمة الكبرى.
(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣)
بعد الإشارات العابرة إلى مريم في الآيات السابقة التي دارت حول عمران وزوجته ، هذه الآية تتحدّث بالتفصيل عن مريم. تقول الآية إنّ الملائكة كانوا يكلّمون مريم : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ).
ما أعظم هذا الإفتخار بأن يتحدّث الإنسان مع الملائكة ويحدثونه ، وخاصة إذا كانت المحادثة بالبشارة من الله تعالى باختياره وتفضيله ، كما في مورد مريم بنت عمران ، فقد بشرتها الملائكة بأنّ الله تعالى قد إختارها من بين جميع نساء العالم وطهّرها وفضلها بسبب تقواها وإيمانها وعبادتها.
(يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ).
هذه الآية تكملة لكلام الملائكة مع مريم ، فبعد أن بشّرها بأنّ الله قد اصطفاها ، قالوا لها : الآن اشكري الله بالركوع والسجود والخضوع له اعترافاً بهذه النعمة العظمى.
(ذلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤٤)
هذه الآية تشير إلى جانب آخر من قصة مريم عليهاالسلام وتقول بأنّ ما تقدّم من قصة مريم وزكريا إنّما هو من أخبار الغيب : (ذلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ). لأنّ هذه القصة بشكلها الصحيح والخالي من شوائب الخرافة لا توجد في أيّ من الكتب السابقة ، مضافاً إلى أنّ سند هذه القصة هو وحي السماء.