سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان عن ابن عباس قال : يعنى بقوله (مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ)عبد الله بن سلام ، أودعه رجل ١٢٠٠ أوقية (١) من ذهب ، فأدّاه إليه ، فمدحه الله سبحانه. ويعنى بقوله (مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّايُؤَدّهِ إِلَيْكَ) فنحاص بن عازوراء وذلك أنّ رجلاً من قريش استودعه ديناراً ، فخانه. والله يذمّه في هذه الآية لخيانته الأمانة.
التّفسير
ترسم الآية ملامح اخرى لأهل الكتاب ، كان جمع من اليهود يعتقدون أنّهم لا يكونون مسؤولين عن حفظ أمانات الناس ، بل لهم الحق في تملّك أماناتهم! كانوا يقولون : إنّنا أهل الكتاب ، وأنّ النبي والكتاب السماوي نزلا بين ظهرانينا ، لذلك فأموال الآخرين غير محترمة عندنا. لقد تغلغلت فيهم هذه الفكرة بحيث غدت عقيدة دينية راسخة ، وهذا ما يعبّر عنه القرآن بقوله (يَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) قال اليهود : إنّ لنا حق التصرف بأموال العرب واغتصابها لأنّهم مشركون ولا يتّبعون دين موسى.
من الجدير بالذكر أنّ هذه الآية تعلن أنّ أهل الكتاب لم يكونوا جميعاً ينهجون هذا الطراز من التفكير غير الإنساني ، بل كان فيهم جماعة ترى أنّ من واجبها أن تؤدي حق الآخرين. ولذلك فإنّ القرآن لم يدنهم جميعاً ولم يلق تبعة أخطاء بعضهم على الجميع ولذلك يقول : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّايُؤَدّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا).
إنّ الحوادث التي جرت في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ القرارات الدولية والرأي العام العالمي ، وقضايا الحق والعدالة وأمثالها ، لا قيمة لها في نظر الصهاينة ولا معنى ، وما من شيء يحملهم على الخضوع للحق سوى القوة ، وهذه من المسائل التي تنبّأ بها القرآن.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الْأُمّيّينَ سَبِيلٌ). هذه الآية تبين منطقهم في أكل أموال الناس ، وهو قولهم بأنّ «لأهل الكتاب» أفضلية على «الاميين» أي على المشركين والعرب الذين كانوا اميين غالباً أو أنّ المقصود كل من ليس له نصيب من قراءة التوراة والإنجيل ، لذلك يحق لهم أن يستولوا على أموال الآخرين ، وليس لأحد الحق أن يؤاخذهم على ذلك ، حتى أنّهم ينسبون إلى الله تقرير التفوق الكاذب.
__________________
(١) «الأوقية» : تساوي ١ / ١٢ من الرطل ويساوي ٧ مثاقيل ، جمعها : أواق.