لا شك أنّ هذا المنطق كان أخطر بكثير من مجرد خيانة الأمانة ، لأنّهم كانوا يرون هذا حقّاً من حقوقهم ، فيشير القرآن إلى هذا قائلاً : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
هؤلاء يعلمون أنّه ليس في كتبهم السماوية أيّ شيء من هذا القبيل بحيث يجيز لهم خيانة الناس في أموالهم ، ولكنهم لتسويغ أعمالهم القبيحة راحوا يختلقون الأكاذيب وينسبونها إلى الله.
الآية التالية تنفي مقولة اليهود : (لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الْأُمّيّينَ سَبِيلٌ) التي قرّروا فيها لأنفسهم حرية العمل ، فاستندوا إلى هذا الزعم المزيّف للإعتداء على حقوق الآخرين بدون حق ، حيث يتلاعبون بمصائر شعوب العالم ، ولا يتورّعون عن إرتكاب كل إعتداء على حقوق الإنسان ، ويرون القوانين مجرد العوبة بيدهم لتحقيق مصالحهم ، فتقول : (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
تقرر هذه الآية أنّ مقياس الشخصية والقيمة الإنسانية ومحبة الله يتمثّل في الوفاء بالعهد وفي عدم خيانة الأمانة خاصة ، وفي التقوى بشكل عام.
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (٧٧)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزلت في جماعة من أحبار اليهود أبي رافع ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وحيي بن الأخطب ، وكعب بن الأشرف ، كتموا ما في التوراة من أمر محمّد وكتبوا بأيديهم غيره ، وحلفوا أنّه من عند الله ، لئلا تفوتهم الرياسة وما كان لهم على أتباعهم.
التّفسير
تشير الآية إلى جانب آخر من آثام اليهود وأهل الكتاب ، ولكونها وردت بصيغة عامة ، فإنّها تشمل كل من تنطبق عليه هذه الصفات. تقول الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً). أي الذين يجعلون عهودهم مع الله والقسم باسمه المقدس موضع بيع وشراء لقاء مبالغ مادية ، سيكون جزاءهم خمس عقوبات :