وفي القرآن إشارات كثيرة على وحدة الهدف عند أنبياء الله ، وهذه الآية نموذج حيّ على ذلك.
ثم لتوكيد هذا الموضوع جاءت الآية : (قَالَءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذلِكُمْ إِصْرِى) (١).
هل اعترفتم بهذا الميثاق وقبلتم عهدي وأخذتم من أتباعكم عهداً بهذا الموضوع؟
وجواباً على ذلك : (قَالُوا أَقْرَرْنَا).
ثم لتوكيد هذا الأمر المهمّ وتثبيته يقول الله : كونوا شهداء على هذا الأمر وأنا شاهد عليكم وعلى أتباعكم (قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ).
وفي الآية الأخيرة يذم ويهدد القرآن الكريم ناقضي العهود ويقول : (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
فلو أنّ أحداً بعد كل هذا التأكيد على أخذ المواثيق والعهود المؤكّدة ـ أعرض عن الإيمان بنبيّ كنبي الخاتم الذي بشرت به الكتب القديمة وذكرت علائمه ، فهو فاسق وخارج على أمر الله تعالى ، ونعلم أنّ الله لايهدي الفاسقين المعاندين ، كما مرّ في الآية (٨٠) من سورة التوبة : (وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ). ومن لا يكون له نصيب من الهداية الإلهية فإنّ مصيره إلى النار.
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (٨٥)
مرّت بنا حتى الآن بحوث مسهبة في الآيات السابقة عن الأديان الماضية ، وابتداءاً من هذه الآية يدور البحث حول الإسلام وفيها إلفات لأنظار أهل الكتاب وأتباع الأديان السابقة إلى الإسلام. تبدأ الآية بالتساؤل : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ).
__________________
(١) «الإصر» : العهد المؤكّد الذي يستوجب نقضه العقاب الشديد.