أيريد هؤلاء ديناً غير دين الله؟ وما دين الله سوى التسليم للشرائع الإلهية ، هي كلها قد جمعت بصورتها الكاملة الشاملة في دين نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله. فإذا كان هؤلاء يبحثون عن الدين الحقيقي فعليهم أن يسلموا.
(وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
يبدأ القرآن بتفسير الإسلام بمعناه الأوسع ، فيقول : كل من في السماوات والأرض ، أو جميع الكائنات في السماوات والأرض ، مسلمون خاضعون لأوامره (طَوْعًا وَكَرْهًا).
هذا الإستسلام والخضوع يكون «طوعاً» أو اختيارياً أحياناً ، إزاء «القوانين التشريعية» ويكون «كرهاً» أو إجبارياً أحياناً اخرى ، إزاء «القوانين التكوينية».
(قُلْءَامَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا). في هذه الآية يأمر الله النبي والمسلمين بأنّهم ، فضلاً عن إيمانهم بما انزل على رسول الإسلام ، عليهم أن يظهروا إيمانهم بكل الآيات والتعليمات التي نزلت على الأنبياء السابقين ، وأن يقولوا : إنّنا لا نفرّق بينهم من حيث صدقهم وعلاقتهم بالله ، إنّنا نعترف بالجميع ، فهم جميعاً كانوا قادة إلهيين ، وهم جميعاً بُعثوا لهداية الناس ، إنّا نسلم بأمر الله من جميع النواحي ، وبذلك نقطع أيدي المفرّقين.
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ). «يبتغ» : من «الإبتغاء» بمعنى الطلب والسعي ، ويكون في الامور المحمودة وفي الامور المذمومة.
تقول الآية : أنّه لا يقبل من أحد سوى الإسلام مع الأخذ بنظر الاعتبار احترام سائر الشرايع الإلهية المقدسة. وأمّا الذين يتخذون غير هذه الحقيقة ديناً ، فلن يقبل منهم هذا أبداً ، ولهم على ذلك عقاب شديد (وَهُوَ فِى الْأَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
في تفسير القرطبي (وفي تفسير روح الجنان أيضاً) : نزلت هذه الآية في الحارث بن سويد أخو الجُلاس بن سويد وكان من الأنصار ، إرتدّ عن الإسلام هو واثنا عشر معه ولحقوا بمكة كفاراً ، فنزلت هذه الآية.
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٨٩)