سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قيل : نزلت الآيات في رجل من الأنصار يقال له : حارث بن سويد بن الصامت. وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدراً ، وهرب وارتد عن الإسلام ، ولحق بمكة ثم ندم ، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله : هل لي من توبة؟ فسألوا. فنزلت الآية إلى قوله (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) فحملها إليه رجل من قومه ، فقال : إنّى لأعلم أنّك لصدوق ، ورسول الله أصدق منك ، وأنّ الله أصدق الثلاثة. ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه.
التّفسير
كان الكلام في الآيات السابقة عن أنّ الدين الوحيد المقبول عند الله هو الإسلام ، وفي هذه الآيات يدور الحديث حول من قبلوا الإسلام ثم رفضوه وتركوه ، ويسمى مثل هذا الشخص «مرتد». تقول الآية : (كَيْفَ يَهْدِى اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ).
فالآية تقول : إنّ الله لا يعين أمثال هؤلاء الأشخاص على الإهتداء ، لماذا؟ لأنّ هؤلاء قد عرفوا النبي بدلائل واضحة وقبلوا رسالته ، فبعدولهم عن الإسلام أصبحوا من الظالمين والشخص الذي يظلم عن علم واطلاع مسبق غير لائق للهداية الإلهية : (وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
المراد من «البينات» في هذه الآية ، القرآن الكريم وسائر معاجز النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله والمراد من «الظالم» هو من يظلم نفسه بالمرتبة الأولى ويرتد عن الإسلام وفي المرتبة الثانية يكون سبباً في إضلال الآخرين.
ثم تضيف الآية : (أُولئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
عقاب أمثال هؤلاء الأشخاص الذين يعدلون عن الحق بعد معرفتهم له ، كما هو مبيّن في الآية ، أن تلعنهم الملائكة وأن يلعنهم الناس.
(خَالِدِينَ فِيهَا لَايُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ).
تضيف الآية هنا أنّهم فضلاً عن كونهم موضع لعن عام ، فإنّهم سيبقون في هذا اللعن إلى الأبد ، فهم في الواقع كالشيطان الخالد في اللعن الأبدي.
ولا شكّ أنّ نتيجة ذلك هو أن يكونوا في عذاب شديد ودائم بغير تخفيف ولا إمهال.