وفي آخر آية تفتح طريق العودة أمام هؤلاء الأفراد ، وتدعوهم للتوبة ، لأنّ هدف القرآن هو الإصلاح والتربية ، ومن أهم الطرق لذلك هو فتح باب العودة للمذنبين والملوثين كيما تتاح لهم الفرصة لجبران ما فرط منهم ، فتقول : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
يستفاد من هذه الآية أنّ الذنب عبارة عن نقص في الإيمان ، وأنّه بعد التوبة يقوم الشخص التائب بتجديد الإيمان ليتطهر من هذا النقص.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (٩١)
كان الكلام في الآيات السابقة يدور حول الذين يندمون حقّاً على إنحرافهم عن طريق الحق فيتوبون توبة صادقة ، في هذه الآية يدور الكلام على الذين لن تُقبل توبتهم ، وهم الذين آمنوا أوّلاً ، ثم إرتدّوا وكفروا ، وأصرّوا على كفرهم. إنّ الله لن يقبل توبة هؤلاء ، لأنّهم لن يتخذوا باختيارهم خطوة في سبيل الله ، بل هم مجبرون على إظهار الندم والتوبة بعد رؤيتهم انتصار المسلمين ، لذلك فتوبتهم ظاهرية ولن تُقبل.
وفي الآية الثانية يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ).
تخصّ الآية اولئك الذين يقضون أعمارهم كافرين في هذه الدنيا ، ثم يموتون وهم على تلك الحال ، يقول القرآن ، بعد أن اتّضح لهؤلاء طريق الحقّ ، يسيرون في طريق الطغيان والعصيان ، وهم ليسوا مسلمين ، ولن يُقبل منهم كل ما ينفقونه ، وليس أمامهم أيّ طريق للخلاص ، حتى وإن أنفقوا ملء الأرض ذهباً في سبيل الله.
من الواضح أنّ القصد من القول بإنفاق هذا القدر الكبير من الذهب إنّما هو إشارة إلى بطلان إنفاقهم مهما كثر ، لأنّه مقرون بتلوّث القلب والروح بالعداء لله ، وإلّا فمن الواضح أنّ ملء الأرض ذهباً يوم القيامة لا يختلف عن ملئها تراباً ، إنّما قصد الآية هو الكناية عن أهمية الموضوع.