هؤلاء يعتبرون عملهم المذبذب هذا نوعاً من الشطارة والدهاء (يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَءَامَنُوا). بينما لا يشعر هؤلاء أنّهم يسيئون بعملهم هذا إلى أنفسهم ، ويبدّدون بانحرافهم هذا طاقاتهم ، ولا يجنون من ذلك إلّاالخسران والعذاب الإلهي. (وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّاأَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).
في الآية التالية يبيّن القرآن أنّ النفاق في حقيقته نوع من المرض ، فإنّ الإنسان السالم له وجه واحد فقط ، وفي ذاته انسجام تام بين الروح والجسد ، لأنّ الظاهر والباطن ، والروح والجسم ، يكمل أحدهما الآخر. إذا كان الفرد مؤمناً فالإيمان يتجلّى في كل وجوده ، وإذا كان منحرفاً فظاهره وباطنه يدلان على انحرافه.
وازدواجية الجسم والروح مرض آخر وعلّة إضافية. إنّه نوع من التضاد والانفصال في الشخصية الإنسانية : (فِى قُلُوبِهِم مَرَضٌ).
وبما أنّ سنّة الله في الكون اقتضت أن يتيسّر الطريق لكل سالك ، وأن تتوفر سبل التقدم لكل من يجهد في وضع قدمه على الطريق. فقد أضاف القرآن قوله : (فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا).
وبما أنّ الكذب رأس مال المنافقين ، يبررون به ما في حياتهم من متناقضات ، ولهذا أشار القرآن في ختام الآية إلى هذه الحقيقة : (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ).
ثم تستعرض الآيات خصائص المنافقين ، وتذكر أوّلاً أنّهم يتشدّقون بالإصلاح ، بينما هم يتحركون على خط التخريب والفساد : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَاتُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِن لَّايَشْعُرُونَ).
ذكرنا سابقاً أنّ الإنسان ، لو تمادى في الغيّ والضلال ، يفقد قدرة التشخيص ، بل تنقلب لديه الموازين ، ويصبح الذنب والإثم جزءً من طبيعته. والمنافقون أيضاً بإصرارهم على انحرافهم يتطبّعون بخط النفاق ، وتتراءى لهم أعمالهم بالتدريج وكأنّهم أعمال إصلاحية ، وتغدو بصورة طبيعة ثانية لهم.
علامتهم الاخرى : إعتدادهم بأنفسهم واعتقادهم أنّهم ذووا عقل وتدبير ، وأنّ المؤمنين سفهاء وبسطاء : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْءَامِنُوا كَمَاءَامَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَاءَامَنَ السُّفَهَاءُ).
وهكذا تنقلب المعايير لدى هؤلاء المنحرفين ، فيرون الإنصياع للحق وإتّباع الدعوة الإلهيّة سفاهة ، بينما يرون شيطنتهم وتذبذبهم تعقلاً ودراية! غير أنّ الحقيقة عكس ما يرون : (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلكِن لَّايَعْلَمُونَ). أليس من السفاهة أن يضيّع الإنسان