وحدة شخصيته ، ويتّجه نحو إزدواجية الشخصية وتعدد الشخصيات في ذاته ، ويهدر بذلك طاقاته على طريق التذبذب والتآمر والتخريب ، وهو مع ذلك يعتقد برجاحة عقله؟!
العلامة الثالثة لهؤلاء ، هي تلونهم بألوان معينة تبعاً لما تفرضه عليهم مصالحهم ، فهم انتهازيون يظهرون الولاء للمؤمنين ولأعدائهم من الشياطين : (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَءَامَنُوا قَالُواءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهزِءُونَ).
وبلهجة قوية حاسمة يرد القرآن الكريم على هؤلاء ويقول : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١).
الآية الأخيرة توضّح المصير الأسود المظلم لهؤلاء المنافقين ، وخسارتهم في سيرتهم الحياتية الضّالة : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّللَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).
إنّ إزدواجية الشخصية ، والتضاد بين المحتوى الداخلي والسلوك الخارجي في وجود المنافقين ، يفرز ظواهر عديدة بارزة مشهودة في أعمالهم وأقوالهم وسلوكهم الفردي والاجتماعي.
سعة معنى النفاق : النفاق في مفهومه الخاص صفة اولئك الذين يظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر ، لكن النفاق له معنىً عام واسع يشمل كل ازدواجية بين الظاهر والباطن ، وكل افتراق بين القول والعمل ، من هنا قد يوجد في قلب المؤمن بعض ما نسميه «خيوط النفاق».
ففي الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف» (٢).
الحديث لا يدور هنا طبعاً عن المنافق بالمعنى الخاص ، بل عن الذي في قلبه خيوط من النفاق ، تظهر على سلوكه بأشكال مختلفة ، وخاصة بشكل رياء ، كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليهالسلام : «الرّياء شجرة لا تُثمر إلّاالشّرك الخفيّ وأصلها النّفاق» (٣).
__________________
(١) «يعمهون» : من «العَمَه» أي التردّد في الأمر ، وأيضاً بمعنى عمى القلب والبصيرة بسبب التحيّر.
(٢) بحار الأنوار ٦٩ / ١٠٨ / ٨.
(٣) بحار الأنوار ٦٩ / ٣٠٠ / ٣٧.