الغيظ» بخطوة اخرى وهي «العفو والصفح» ولهذا أردفت صفة «الكظم للغيظ» التي هي بدورها من أنبل الصفات بمسألة العفو.
٤ ـ إنّهم محسنون : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وهنا إشارة إلى مرحلة أعلى من «العفو والصفح» وبهذا يرتقي المتقون من درجة إلى أعلى في سلّم التكامل المعنوي.
وهذه السلسلة التكاملية هي أن لا يكتفي الإنسان تجاه الإساءة إليه بكظم الغيظ ولا يكتفى أيضاً بأن يعفو ويصفح عن المسىء ليغسل بذلك آثار العداء عن قلبه ، بل يعمد إلى القضاء على جذور العداء في فؤاد خصمه المسيء إليه أيضاً ، وذلك بالإحسان إليه ، وبذلك يكسب وده وحبّه ، ويمنع من تكرار الإساءة إليه في مستقبل الزمان.
٥ ـ إنّهم لا يصرّون على ذنب : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ).
«الفاحشة» : مشتقة أصلاً من الفحش ، وهو كل ما اشتد قبحه من الذنوب ، ولا يختص بالزنا خاصة ، لأنّ الفحش يعني «تجاوز الحد» الذي يشمل كل ذنب.
يستفاد من هذه الآية أنّ الإنسان لا يذنب مادام يتذكر الله ، فهو إنّما يذنب إذا نسي الله تماماً واعترته الغفلة ، ولكن لا يلبث هذا النسيان وهذه الغفلة ـ لدى المتقين ـ حتى تزول عنهم سريعاً ويذكرون الله ، فيتداركون ما فات منهم ، ويصلحون ما أفسدوه.
إنّ المتقين يحسّون إحساساً عميقاً بأنّه لا ملجأ لهم إلّاالله ، فلابد أن يطلبوا منه المغفرة لذنوبهم دون سواه (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ).
ثم إنّه سبحانه تأكيداً لهذه الصفة قال : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
والآن جاء الدور ليذكر القرآن الكريم ما ينتظر هذا الفريق من الثواب والجزاء اللائق.
وكان ذلك إذ قال سبحانه : (أُولئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا).
لقد ذكر في هذه الآية جزاء المتقين الذين تعرضت الآيات السابقة لذكر أوصافهم وأبرز صفاتهم ، وهذا الجزاء عبارة عن : مغفرة ربانية ، وجنات خالدات تجري من تحتها الأنهار بدون إنقطاع أبداً.
ثم إنّه سبحانه يعقب ما قال عن الجزاء بقوله : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ). أي : ما أروع هذا الجزاء الذي يُعطى للعاملين لا للكسالى ، الذين يتهرّبون من مسؤولياتهم ، ويتملّصون من التزاماتهم.