رَّبّكُمْ). فلأنّ الوصول إلى أي مقام معنوي لا يتأتى بدون المغفرة والتطهر من أدران الذنوب ، فلابد إذن من تطهير النفس من الذنوب أوّلاً ، ثم الدخول في رحاب القرب الإلهي ، ونيل الزلفى لديه.
هذا هو الهدف الأوّل.
وأمّا الهدف الثاني لهذا السباق المعنوي العظيم فهو «الجنة» التي يصرح القرآن الكريم أنّ سعتها سعة السماوات والأرض : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالْأَرْضُ).
ثم إنّه سبحانه يختم الآية الحاضرة بقوله : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). فهذه الجنة العظيمة الموصوفة بتلك السعة قد أعدّت للذين يتقون الله ويخشونه ويجتنبون معاصيه ويمتثلون أوامره.
وينبغي أن نعلم أنّ المراد بالعرض هنا ليس هو الطول والعرض الهندسي بل المراد ـ كما عليه أهل اللغة ـ هو السعة.
لما صرح في الآية السابقة بأنّ الجنة اعدت للمتقين ، تعرضت الآية التالية لذكر مواصفات المتقين فذكرت خمساً من صفاتهم الإنسانية السامية هي :
١ ـ إنّهم ينفقون أموالهم في جميع الأحوال ، في الشدة والرخاء ، في السراء والضراء (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ).
إنّ أوّل صفة ذكرت للمتقين هنا هو «الإنفاق» لأنّ هذه الآيات تذكر ما يقابل الصفات التي ذكرت للمرابين والمستغلّين في الآيات السابقة. هذا مضافاً إلى أنّ غض النظر عن المال والثروة في السراء والضراء من أبرز علائم التقوى.
٢ ـ إنّهم قادرون على السيطرة على غضبهم : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ).
«الكظم» : تعني في اللغة شدّ رأس القربة عند ملئها ، فيقول كظمت القربة إذا ملأتها ماء ثم شددت رأسها ، وقد استعملت كناية عمن يمتلىء غضباً ولكنّه لا ينتقم. و «الغيظ» : بمعنى شدة الغضب والتوتر والهيجان الروحي الشديد الحاصل للإنسان عندما يرى ما يكره.
في الكافي عن الإمام الصّادق عليهالسلام قال : «من كظم غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ، أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه».
٣ ـ إنّهم يصفحون عمن ظلمهم (وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ).
إنّ كظم الغيظ أمر حسن جدّاً ، إلّاأنّه غير كاف لوحده ، إذ من الممكن أن لا يقلع ذلك جذور العداء من قلب المرء ، فلابد للتخلص من هذه الجذور والرواسب أن يقرن «كظم