والمراد من «الربا الفاحش» هو أن تكون الزيادة الربوية تصاعدية ، بمعنى أن تُضم الزيادة المفروضة أوّلاً على رأس المال ثم يصبح المجموع مورداً للربا ، بمعنى أنّ الزيادة ثانياً تقاس بمجموع المبلغ ، ثم تضم الزيادة المفروضة ثانياً إلى ذلك المبلغ ، وتفرض زيادة ثالثة بالنسبة إلى المجموع. ولهذا قال القرآن الكريم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَأْكُلُوا الرّبَوا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً).
ولا شكّ أنّ مثل هذا الفعل يدر على أصحاب الأموال مبالغ ضخمة دون عناء ، فلا يمكن الإرتداع عنه الإّ بتقوى الله ، ولهذا عقب سبحانه نهيه عن مثل هذا الربا الظالم بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ولكن هل يكفي الأمر بتقوى الله والترغيب في الفلاح في صورة ترك الربا؟ أم لابدّ من التلويح بالعذاب الأخروي للمرابين؟ ولهذا قال سبحانه في الآية الثانية : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ). فهذه الآية تأكيد لحكم التقوى الذي مرّ في الآية السابقة.
ثم إنّه سبحانه يمزج ذلك التهديد بشيء من التشجيع والترغيب للمطيعين والممتثلين لأوامره تعالى إذ يقول : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (١٣٦)
السباق في مضمار السعادة : بعد أن هددت الآيات السابقة العصاة وتوعدتهم بالعذاب والجحيم ، وبشّرت الأبرار المطيعين بالرحمة الإلهيّة وشوقتهم إليها جاءت الآية الاولى من هذه الآيات تشبّه سعي المطيعين واجتهادهم بالسباق ، والمسابقة المعنوية التي تهدف الوصول إلى الرحمة الإلهية والنعم والعطايا الربانية الخالدة : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن