هذه الآية تأكيد لمفاد الآية السابقة ، فيكون المعنى هو : أنّ العفو أو المجازاة ليس بيد النبي ، بل هو لله الذي بيده كل ما في السماوات وكل ما في الأرض ، فهو الحاكم المطلق لأنّه هو الخالق ، فله الملك وله التدبير ، وعلى هذا الأساس فإنّ له أن يغفر لمن يشاء من المذنبين ، أو يعذّب ، حسب ما تقتضيه الحكمة ، لأنّ مشيئته تطابق الحكمة.
ثم إنّه سبحانه يختم الآية بقوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). تنبيهاً إلى أنّه وإن كان شديد العذاب ، إلّاأنّ رحمته سبقت غضبه ، فهو غفور رحيم قبل أن يكون شديد العقاب والعذاب.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٣٢)
هذه الآيات الثلاث ، والآيات الست اللاحقة بها تحتوي على سلسلة من البرامج الاقتصادية ، والاجتماعية ، والتربوية ، ثم يستأنف القرآن بعد هذه الآيات التسع ، حديثه حول معركة «احد» ووقائعها.
إنّنا نعلم أيضاً أنّ المجتمع العربي في العهد الجاهلي كان مصاباً ـ بشدة ـ بداء الربا ، حيث كانت الساحة العربية (وخاصة مكة) مسرحاً للمرابين ، وقد كان هذا الأمر مبعثاً للكثير من المآسي الاجتماعية ، ولهذا استخدم القرآن في تحريم هذه الفعلة النكراء اسلوب المراحل ، فحرم الربا في مراحل أربع :
١ ـ يكتفي في الآية (٣٩) من سورة الروم بتوجيه نصح أخلاقي حول الربا.
٢ ـ يشير في الآية (١٦١) من سورة النساء ـ ضمن إنتقاد عادات اليهود وتقاليدهم الخاطئة الفاسدة ـ إلى الربا كعادة سيئة من تلك العادات.
٣ ـ يذكر في الآية الحاضرة حكم التحريم بصراحة ، ولكنّه يشير إلى نوع واحد من أنواع الربا ، وهو النوع الشديد والفاحش منه فقط.
٤ ـ وأخيراً أعلن في الآيات (٢٧٥ ـ ٢٧٩) من سورة البقرة عن المنع الشامل والشديد عن جميع أنواع الربا ، واعتباره بمنزلة إعلان الحرب على الله سبحانه.
قلنا إنّ الآية الحاضرة إشارة إلى الربا الفاحش معبرة عن ذلك بقوله : (أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً).