يكفيكم ذلك لتحقيق النصر الساحق على جحافل المشركين المدججين بالسلاح؟
نعم ، أيّها المسلمون لقد تحقق لكم ذلك في بدر نتيجة صبركم واستقامتكم ، واليوم يتحقق لكم ذلك أيضاً إذا أطعتم أوامر النبي ، وسرتم وفق تعليماته وصبرتم : (بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِءَالفٍ مِّنَ الْمَلِكَةِ مُسَوّمِينَ) (١).
على أنّ نزول الملائكة هذا لن يكون هو العامل الأساسي لتحقيق هذا الإنتصار لكم بل النصر من عند الله ، وليس نزول الملائكة إلّالتطمئن قلوبكم (وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) فهو العالم بسبل النصر ومفاتيح الظفر ، وهو القادر على تحقيقه.
ثم إنّه سبحانه عقب هذه الآيات بقوله : (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ).
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (١٢٨)
وقع بين المفسرين في تفسير هذه الآية كلام كثير ، إلّاأنّ ما هو مسلّم تقريباً هو أنّ الآية الحاضرة نزلت بعد معركة احد وهي ترتبط بأحداث تلك المعركة ، والآيات السابقة تؤيد هذه الحقيقة أيضاً.
يكون معنى الآية كالتالي : ليس لك حول مصيرهم شيء ، فإنّهم قد استحقوا العذاب بما فعلوه ، بل ذلك إلى الله ، يعفو عنهم إن شاء أو يأخذهم بظلمهم.
ولقد نقلت في تفسير الدر المنثور : إنّ هذه الآية أنزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم أحد وقد جرح في وجهه وأصيب بعض رباعيته وفوق حاجبه فقال ـ وسالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه ـ : «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربّهم». فأنزل الله الآية وأخبره تعالى فيها أنّه ليس إليه إلّاما امر به من تبليغ الرسالة ودعائهم إلى الهدى ، فهو ليس مسؤولاً عن هدايتهم إن لم يهتدوا ولم يستجيبوا لندائه.
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٢٩)
__________________
(١) «الفور» : السرعة التي تقلب المعادلات كما يفور القدر وتتقلب محتوياتها بسرعة.