قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِين مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ). وهذه الحقيقة هي أنّ الإسلام ليس دين عبادة الشخصية حتى إذا قتل النبي صلىاللهعليهوآله ونال الشهادة في هذه المعركة.
إنّ عبادة الشخصية وتقديس الفرد من أخطر ما يصيب أية حركة جهادية ويهددها بالسقوط والانتهاء ، فإنّ إرتباط الحركة أو الدين بشخص معين حتى لو كان ذلك هو النبي الخاتم صلىاللهعليهوآله معناه توقف كل الفعاليات وكل تقدم بفقدانه وغيابه عن الساحة ، وهذا النوع من الإرتباط هو أحد علائم النقص في الرشد الاجتماعي.
ثم إنّه سبحانه يقول : (وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرُّ اللهَ شَيًا). يعني أنّ العودة إلى الكفر والوثنية تضرّكم أنتم دون الله سبحانه ، لأنّ أمثال هذا التراجع لا يعني سوى توقفكم في طريق الخير والسعي نحو السعادة الكاملة ، بل فقدان كل ما حصلتموه من العزة والكرامة والمجد بسرعة.
ثم إنّه لما كان هناك ـ في معركة احد ـ أقلية استمرت على جهادها رغم الصعوبات ، وإنتشار الخبر المفجع عن مقتل الرسول صلىاللهعليهوآله كان من الطبيعي أن ينال صمودهم هذا وثباتهم التقدير اللائق ، ولهذا قال سبحانه : (وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ). وبذلك مدح القرآن الكريم استقامتهم وصمودهم ، ووصفهم بالشاكرين لأنّهم أحسنوا الاستفادة والإنتفاع بالنعم في سبيل الله ، وهذا أفضل مصاديق الشكر.
ثم إنّ جماعة كثيرة من المسلمين ارعبوا وزلزلوا لشائعة مقتل النبي في احد ـ كما أسلفنا ـ إلى درجة أنّهم تركوا ساحة المعركة ، وفروا بأنفسهم من الموت وحتى أنّ بعضهم فكر في الردة عن الإسلام ، فكان قوله سبحانه : (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذِنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً). وهو يكرر توبيخهم ، وتنبيههم إلى أنّ الموت بيد الله ، والفرار لا ينفع في الخلاص من الأجل الإلهي.
ومن ناحية اخرى أنّ الفرار من المعركة لا يدفع الأجل كما أنّ مواصلة القتال والبقاء في المعركة لا يقرب هو الآخر أجلاً.
وبعد عرض هذه الحقائق يعقب سبحانه على ما قال بقوله : (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْأَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا). أي إنّ ما عمله الإنسان لا يضيع أبداً ، فإن كان هدفه دنيوياً مادياً كما كان عليه بعض المقاتلين في «احد» فإنّه سيحصل على ما يسعى إليه ويناله. وأمّا إذا كان هدفه أسمى من ذلك ، وصب جهوده في سبيل الحصول على الحياة