وعندما عاد المسلمون بعد تحمل خسائر عظيمة إلى المدينة كان يسأل أحدهم رفيقه : ألم يعدنا الله سبحانه بالفتح والنصر ، فلماذا هزمنا في هذه المعركة؟
فكانت الآيات الحاضرة جواباً على هذا السؤال ، وتوضيحاً للعلل الحقيقية التي سببت تلك الهزيمة ، وإليك فيما يلي تفسير جزئيات هذه الآيات وتفاصيلها :
قال سبحانه : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ) (١).
يعنى أنّ عليهم أن لا يتوهموا بأنّ الوعد بالتأييد والنصر مطلق لا قيد له ولا شرط ، بل كل الوعود الإلهية بالنصر مقيدة باتباع تعاليم الله بحذافيرها ، والتمسك بأهدافها.
ثم إنّه سبحانه يقول بعد بيان هذه الحقيقة حول النصر الإلهي : (وَتَنَازَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَيكُم مَّا تُحِبُّونَ).
ومن هذه العبارة التي هي إشارة إلى ما طرأ على وضع الرماة في جبل «عينين» يستفاد بوضوح بأنّ الرماة الذين كلفوا بحراسة الثغر قد اختلفوا فيما بينهم في ترك ذلك الثغر ومغادرة ذلك الموقع في الجبل فعصى فريق كبير منهم ، (وهذا قد يستفاد من لفظة عصيتم التي تفيد أنّ الأغلبية والأكثرية من الرماة قد عصت وتجاهلت تأكيدات النّبي بالبقاء هناك).
أجل لقد اختلفتم فيما بينكم وتنازعتم في تلك اللحظات الحساسة البالغة الأهمية : (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْأَخِرَةَ).
وهنا تغير مجرى الامور وانعكست القضية فبدّل الله الإنتصار إلى الهزيمة ليمتحنكم وينبهّكم ويربّيكم : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ).
ثم إنّ سبحانه غفر لكم كل ما صدر وبدر منكم من عصيان وتجاهل لأوامر الرسول صلىاللهعليهوآله وما ترتب على ذلك من التبعات في حين كنتم تستحقون العقاب وما ذلك إلّالأنّ الله لا يضنّ بنعمة على المؤمنين ولا يبخل عليهم بموهبة : (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
ثم إنّه سبحانه يذكّر المسلمين بموقفهم في نهاية معركة «احد» فيقول : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَيكُمْ) (٢). أي تذكروا إذ فررتم من المعركة ، ورحتم
__________________
(١) «الحس» : القتل على وجه الاستئصال ، وسمي القتل حساً لأنّه يبطل الحس.
(٢) «أخريكم» : بمعنى «ورائكم».