إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا لله قرضاً حسناً (والمراد منه الإنفاق في سبيل الله وإنّما عبّر عنه بالإقراض لتحريك المشاعر وإثارتها لدى الناس قدراً أكبر) فدخل رسول النبي إلى بيت مدارستهم (حيث يتلقى اليهود دروساً في دينهم) فوجد ناساً كثيراً منهم اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازورا فدعاهم إلى الإسلام والصلاة والزكاة ، فقال فنحاص : إن كان ما تقول حقّاً فإنّ الله إذن لفقير ونحن أغنياء ، ولو كان غنياً لما استقرضنا أموالنا! وهو يشير إلى قوله تعالى : (مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا) (١). هذا مضافاً إلى أنّ «محمّداً» يعتقد أنّ الله نهاكم عن أكل الربا ، وهو يعدكم أن يضاعف لكم إذا انفقتم أضعافاً مضاعفة ، وهو يشير إلى قوله تعالى : (يُرْبِى الصَّدَقَاتِ) (٢). ولكن فنحاص أنكر أنّه قال شيئاً من هذه في ما بعد فنزلت الآيتان المذكورتان أعلاه.
التّفسير
تقول الآية الاولى : (لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ). أي لو أنّ هؤلاء استطاعوا أن يخفوا عن الناس مقالتهم هذه فإنّ الله قد سمعها ويسمعها حرفاً بحرف فلا مجال لإنكارها ، فهو يسمع ويدرك حتى ما عجزت أسماع الناس عن سماعها من الأصوات الخفية جدّاً أو الأصوات العالية جداً.
ثم يقول سبحانه : (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا). أي إنّ ما قالوه لم نسمعه فحسب ، بل سنكتبه جميعه.
إنّ المراد من الكتابة ليس هو ما تعارف بيننا من الكتابة والتدوين ، بل المراد هو حفظ آثار العمل التي تبقى خالدة في العالم حسب قانون بقاء «الطاقة ـ المادة».
ثم يقول : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ). أي إنّنا لا نكتفي بكتابة مقالاتهم الكافرة الباطلة فحسب ، بل سنكتب موقفهم المشين جداً وهو قتلهم للأنبياء.
وأمّا تسجيل وكتابة أعمالهم فلم يكن أمراً اعتباطياً غير هادف ، بل كان لأجل أن نعرضها عليهم يوم القيامة ، ونقول لهم : ها هي نتيجة أعمالكم قد تجسدت في صورة عذاب محرق ونقول : (ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ).
__________________
(١) سورة الحديد / ١١.
(٢) سورة البقرة / ٢٧٦.