كانت غالباً «جسمية» مثل : شفاء الأمراض الجسمية المستعصية ، وتحدث الطفل في المهد ... وكانت تتجه نحو تسخير الأعضاء البدنية. أمّا القرآن ، فيسخر القلوب والنفوس ، ويبعث فيها الإعجاب والإكبار ، إنّه يتعامل مع الأرواح والأفكار والعقول البشرية ، وواضح امتياز مثل هذه المعجزة على المعاجز الجسمية.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٢٥)
خصائص نِعَم الجنة : آخر آية في بحثنا السابق تحدثت عن مصير الكافرين ، وهذه الآية تتحدث عن مصير المؤمنين ، كي تتضح الحقيقة أكثر بالمقارنة بين الصورتين ، على الطريقة القرآنية في التوضيح. في المقطع الأوّل تقول الآية : (وَبَشّرِ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
نعلم أنّ البساتين التي تفتقد الماء الدائم ، وتسقى بين حين وحين ليس لها حظ كبير من النظارة ، فالنظارة تطفح على البساتين التي تمتلك ماء سقي دائم مستمر لا ينقطع أبداً ، ومثل هذه البساتين لا يعتريها جفاف ولا تهددها شحة ماء. وهذه هي بساتين الجنة.
وبعد الإشارة إلى ثمار الجنة المتنوعة تقول الآية : (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ).
ثم تقول الآية : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا). أي متشابهاً في الجودة والجمال ، فهذه الثمار بأجمعها فاخرة بحيث لا يمكن ترجيح إحداها على الاخرى.
وآخر نعمة تذكرها الآية هي : (أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) من كل أدران الروح والقلب والجسد.
أحد منغّصات نعم الدنيا زوالها ، ومن هنا فلا تكون هذه النعم عادة باعثة على السعادة والإطمئنان ، أمّا نِعم الجنة ففيها السعادة والطمأنينة لأنّها خالدة لا يعتريها الزوال والفناء ، وإلى هذه الحقيقة تشير الآية في خاتمتها وتقول : (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
بحثان
١ ـ الأزواج المطهرة : مما يلفت النظر في هذه الآية أنّ الوصف الوحيد الذي استعمله