التّفسير
أعقبت الآية ـ موضوع البحث هذه ـ الآيات السابقة التي تحدثت عن الجهاد والهجرة واستهدفت إحياء روح التضحية والفداء لدى المسلمين بقولها : (وَلَا تَهِنُوا فِى ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ). وهذا تأكيد على ضرورة أن لا يواجه المسلمون عدوهم اللدود باسلوب دفاعي ، بل عليهم أن يقابلوا هذا العدو بروح هجومية دائماً.
بعد ذلك تأتي الآية باستدلال حي وواضح للحكم الذي جاءت به ، فتسأل المسلمين لماذا الوهن؟ فأنتم حين يصيبكم ضرر في ساحة الجهاد فإنّ عدوكم سيصيبه هو الآخر سهم من هذا الضرر ، مع فارق هو أنّ المسلمين يأملون أن يعينهم الله ويشملهم برحمته الواسعة ، بينما الكافرون لا يرجون ولا يتوقعون ذلك ، حيث تقول الآية : (إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَايَرْجُونَ).
وفي الختام ـ ومن أجل إعادة التأكيد ـ تطلب الآية من المسلمين أن لا ينسوا علم الله بجميع الامور ، فهو يعلم معاناة المسلمين ومشاكلهم وآلامهم ومساعيهم وجهودهم ، ويعلم أنّهم أحياناً يصابون بالتهاون والفتور ، فتقول الآية : (وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) وسيرى المسلمون نتيجة كل الحالات تلك.
(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٦)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزلت في بني الابيرق وكانوا ثلاثة اخوه : بشر ، وبشير ، ومبشّر.
وكان بشير يكنى أبا طعمة ، وكان يقول الشعر ، يهجو به أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم يقول : قاله فلان. وكانوا أهل حاجة في الجاهلية والإسلام ، فنقب أبو طعمة على عِليّة رفاعة بن زيد. وأخذ له طعاماً وسيفاً ودرعاً فشكا ذلك إلى أخيه قتادة بن النعمان ، وكان قتادة بدرياً فتجسسا في الدار ، وسألا أهل الدار في ذلك ، فقال بنو أبيرق : والله ما صاحبكم إلّا لبيد بن سهل ، رجل ذو حسب ونسب. فأصلَتَ عليهم لبيد بن سهل سيفه ، وخرج إليهم وقال : يا بني أبيرق أترمونني بالسّرَق ، وأنتم أولى به مني ، وأنتم منافقون تهجون رسول الله ، وتنسبون ذلك إلى قريش! لتبيننّ ذلك ، أو لأضعنّ سيفي فيكم! فداروه وأتى قتادة رسول