بعد الآيات التي جاءت بتحريم الدفاع عن الخائنين ، تستطرد الآيات الثلاث الأخيرة في التشديد على حرمة الدفاع عن الخائنين ، بالأخص اولئك الذين يخونون أنفسهم (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَايُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا).
لقد تعرض الخائنون في الآية الاخرى إلى التوبيخ ، حيث قالت إنّ هؤلاء يخجلون أن تظهر بواطن أعمالهم وسرائرهم وتنكشف إلى الناس ، لكنهم لا يخجلون لذلك من الله سبحانه وتعالى ، إذ تقول الآية : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ). فلا يتورع هؤلاء من تدبير الخطط الخيانية في ظلام الليل ، والتحدث بما لا يرضى الله الذي يراهم ويراقب أعمالهم ، أينما كانوا : (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لَايَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).
بعد ذلك تتوجه الآية (١٠٩) من سورة النساء بالحديث عن شخص السارق الذي تمّ الدفاع عنه ، وتقول بأنّه على فرض أن يتمّ الدفاع عن هؤلاء في الدنيا فمن يستطيع الدفاع عنهم يوم القيامة ، أنّ من يقدر أن يكون لهؤلاء وكيلاً ليرتب أعمالهم ويحل مشاكلهم؟! حيث تقول الآية : (هَا أَنتُمْ هؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً). ولذلك فإنّ الدفاع عن هؤلاء الخونة في الدنيا ليس له أثر إلّاالقليل ، لأنّهم سوف لا يجدون أبداً من يدافع عنهم أمام الله في الحياة الآخرة الخالدة.
(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (١١٢)
لقد بيّنت هذه الآيات الثلاث ، ثلاثة أحكام كلّية بعد أن تطرقت الآيات السابقة إلى مسائل خاصة بالخيانة والتهمة. الآية الاولى تشير إلى هذه الحقيقة وهي أنّ باب التوبة مفتوح أمام المسيئين على كل حال ، فإذا ارتكب أحد ظلماً بحق نفسه أو غيره ، وندم حقيقة على فعلته ، أو استغفر الله لذنبه ، وكفّر عن خطيئته فيجد الله غفوراً رحيماً ، حيث تقول الآية : (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرَ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
إنّ الآية الثانية من الآيات الثلاث الأخيرة ، تحكي نفس الحقيقة التي وردت بصورة