تؤدّي إلى تغيير السعادة بالشقاء للناس ، وقد أكّدت الآية في آخرها مبدأ كلياً ، وهو أنّ أي إنسان يعبد الشيطان ويجعله لنفسه ولياً من دون الله ، فقد ارتكب إثماً وذنباً واضحاً إذ تقول الآية : (وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا).
والآية التي تلت هذه الآية جاءت ببعض النقاط بمثابة الدليل على ما جاءت به الآية السابقة حيث ذكرت أنّ الشيطان يستمر في إعطائه الوعود الكاذبة لأولئك ويمنيهم الأمنيات الطوال العراض ، ولكنّه لا يفعل شيئاً بالنسبة لهؤلاء غير الإغواء والخداع : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطنُ إِلَّا غُرُورًا) (١).
وبيّنت آخر آية من الآيات الخمس الأخيرة مصير أتباع الشيطان ، بأنّهم ستكون نتيجتهم السكنى في جهنم التي لا يجدون منها مفراً أبداً ، فتقول الآية : (أُولئِكَ مَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا) (٢).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (١٢٢)
لقد بيّنت الآيات السابقة أنّ الذين يتخذون الشيطان وليّاً لهم ، إنّما ينالهم ضرر واضح ومبين ، وأنّ الشيطان يعدهم زيفاً وخداعاً ويلهيهم بالامنيات الواهية الخيالية الطويلة العريضة ، وإن وعد الشيطان مكر وخداع لا غير. أمّا في هذه الآية الأخيرة ـ التي هي موضوع بحثنا الآن ـ فقد بيّنت مقابل اولئك في النهاية أعمال المؤمنين والثواب الذي سينالونه يوم القيامة ، من جنّات وبساتين وأنهار تجري فيها ، حيث تقول الآية : (وَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
وإنّ هذه النعمة العظيمة دائمة أبداً ، وليست كنعم الدنيا الزائلة ، فالمؤمنون في الجنة يتمتعون بما اوتوه من خير دائماً أبداً ، تؤكد هذه بعبارة (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا).
__________________
(١) «الغرور» : يعني في الأصل الأثر الواضح للشيء ، ولكنّه يطلق في الغالب على الآثار التي لها ظاهر خادع وباطن كريه ، ويطلق على كل شيء يخدع الإنسان مثل المال والجاه والسلطان التي تبعد الإنسان عن الحق وعن جادة الصواب على أنّه مادة للغرور.
(٢) «المحيص» : من «المحص» ويعني العدول والانصراف عن الشيء ، وعلى هذا الأساس فإنّ المحيص هو وسيلة الانصراف والفرار.