الإلزام بالوفاء بالعهد والميثاق : تدل الروايات الإسلامية وأقوال المفسرين على أنّ هذه السورة هي آخر سورة أو من السور الأخيرة التي نزلت على النبي صلىاللهعليهوآله. لقد تمّ التأكيد في هذه السورة ـ لما تمتاز به من موقع خاص ـ على مجموعة من المفاهيم الإسلامية ، وعلى آخر البرامج والمشاريع الدينية ، وقضية قيادة الامّة وخلافة النبي صلىاللهعليهوآله وقد يكون هذا هو السبب في استهلال سورة المائدة بقضية الإلزام بالوفاء بالعهد والميثاق ، حيث تقول الآية في أوّل جملة لها : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). وذلك لكي تلزم المؤمنين بالوفاء بعهودهم التي عقدوها في الماضي مع الله أو تلك التي أشارت إليها هذه السورة. فإنّ الآية تعتبر دليلاً على وجوب الوفاء بجميع العهود التي تعقد بين أفراد البشر بعضهم مع البعض الآخر ، أو تلك العهود التي تعقد مع الله سبحانه وتعالى عقداً محكماً.
إنّ مفهوم هذه الآية ـ لسعته ـ يشمل حتى تلك العقود والعهود التي يقيمها المسلمون مع غير المسلمين.
وبعد أن تطرقت الآية إلى حكم الوفاء بالعهد والميثاق ـ سواء كان إلهياً أو إنسانياً محضاً ـ أردفت ببيان مجموعة اخرى من الأحكام الإسلامية ، كان الأوّل منها حلية لحوم بعض الحيوانات ، فبيّنت أنّ المواشي واجنّتها تحل لحومهما على المسلمين ، حيث تقول الآية : (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ).
«الأنعام» : صيغة جمع من «نِعم» وتعني الإبل والبقر والأغنام.
«بهيمة» : مشتقة من المصدر «بهمة» وتعني في الأصل الحجر الصلب ، ويقال لكل ما يعسر دركه «مبهماً» وجميع الحيوانات التي لا تمتلك القدرة على النطق تسمى «بهيمة» لأنّ أصواتها تكون مبهمة للبشر ، وقد جرت العادة على إطلاق كلمة «بهيمة» على المواشي من الحيوانات فقط ، فأصبحت لا تشمل الحيوانات الوحشية والطيور.
والظاهر من الآية أنّها تشمل معنىً واسعاً ، أي تبين حلية هذه الحيوانات بالإضافة إلى حلية لحوم أجنتها أيضاً.
ويتبيّن لنا ممّا تقدم أنّ علاقة الجملة الأخيرة وحكمها بالأصل الكلي ـ الذي هو لزوم الوفاء بالعهد ـ هي التأكيد على كون الأحكام الإلهية نوعاً من العهد بين الله وعباده ـ حيث تعتبر حلية لحوم بعض الحيوانات وحرمة لحوم البعض الآخر منها قسماً من تلك الأحكام.
وفي الختام تبين الآية موردين تستثنيهما من حكم حلية لحوم المواشي ، وأحد هذين