وفي البند السادس ينهى عن كتمان الحق : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
البند السابع والثامن والتاسع من هذه الأوامر يبيّنه قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَءَاتُوا الزَّكَوةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).
إنّ الآية لم تقل «أدّوا الصلاة» بل قالت : (أَقِيمُوا الصَّلَوةَ). وهذا الحث يحمّل الفرد مسؤولية خلق المجتمع المصلي ومسؤولية جذب الآخرين نحو الصلاة.
إنّ تعبير «أقيموا» إشارة إلى إقامة الصلاة كاملة ، وعدم الاكتفاء بالأذكار والأوراد ، وأهم أركان كمال الصلاة حضور القلب والفكر لدى الله سبحانه ، وتأثير الصلاة على المحتوى الداخلى للإنسان.
هذه الأوامر الأخيرة تتضمن : أوّلاً بيان إرتباط الفرد بخالقه (الصلاة) ، ثم إرتباطه بالمخلوق (الزكاة) ، وبعد ذلك إرتباط المجموعة البشرية مع بعضها على طريق الله.
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (٤٦)
الآية الاولى من الآيات التي يدور حولها بحثنا خطاب لعلماء اليهود ، وبّخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر الناس بالإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله وترك أنفسهم في ذلك. لذلك كانت الآية تحمل توبيخاً لهذا العمل : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
منهج الدعاة إلى الله يقوم على أساس العمل أوّلاً ثم القول ، فالداعية إلى الله يبلّغ بعمله قبل قوله ، كما جاء عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام : «كونوا دعاة الناس بأعمالكم ولا تكونوا دعاةً بألسنتكم» (١).
علماء اليهود كانوا يخشون من انهيار مراكز قدرتهم وتفرق عامة الناس عنهم ، إن اعترفوا برسالة خاتم الأنبياء ولذلك حرفوا ما ورد بشأن صفات نبي الخاتم في التوراة.
والقرآن يحث على الاستعانة بالصبر والصلاة للتغلب على الأهواء الشخصية والميول
__________________
(١) بحار الأنوار ٥ / ١٩٨.