جملة (إِيىَ فَارْهَبُونِ) تأكيد على كسر كل حواجز الخوف القائمة في طريق الوفاء بالعهد الإلهى ، وعلى الخوف من الله وحده دون سواه ، وهذا الحصر يتضح من تقديم ضمير النصب المنفصل «إيّاى» على جملة «فارهبون».
(وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان عن الإمام محمّد بن علي الباقر عليهالسلام أنّه قال : «كان حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وآخرون من اليهود ، لهم مأكلة على اليهود في كل سنة ، فكرهوا بطلانها بأمر النّبي صلىاللهعليهوآله فحرّفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته وذكره فذلك الثّمن الّذي اريد في الآية».
التّفسير
جشع اليهود : الآيات المذكورة أعلاه تتطرق إلى تسعة من بنود العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل. يقول تعالى : (وَءَامِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُم). فالقرآن مصدق لما مع اليهود من كتاب ، أي أنّ البشائر التي زفّتها التوراة والكتب السماوية الاخرى بشأن النبي الخاتم ، والأوصاف التي ذكرتها لهذا النبي والكتاب السماوي تنطبق على محمّد صلىاللهعليهوآله وعلى القرآن المنزل عليه. فلماذا لا تؤمنون به؟!
ثم يقول سبحانه : (وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ). أي : ـ لا عجب أن يكون المشركون والوثنيون في مكّة ـ كفّاراً بالرسالة ، بل العجب في كفركم ، لأنّكم أهل الكتاب ، وكتابكم يحمل بشائر ظهور هذا النبي ، وكنتم لذلك تترقبون ظهوره.
المقطع الثالث من الآية يقول : (وَلَا تَشْتَرُوا بَايَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً).
في المقطع الرابع تقول الآية : (وَإِيىَ فَاتَّقُونِ). والخطاب موجّه إلى زعماء اليهود الّذين يخشون أن ينقطع رزقهم ، وأن يثور المتعصبون اليهود ضدّهم ، وتطلب منهم أن يخشوا الله وحده ، أي أن يخشوا عصيان أوامره سبحانه.
في البند الخامس من هذه الأوامر ينهى الله سبحانه عن خلط الحق بالباطل : (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ).