الأوّل منه : الجانب العبادي وما فيه من الروابط بين العبد وخالقه ، وفي مقدّمة تلك الروابط عبودية الإنسان الخالصة لله سبحانه ، وهذه العبودية لن تتحقَّق ما لم يفهم المرء معنى التوحيد ، وقد أبان أمير المؤمنين عليهالسلام هذا الجانب بشكل دقيق ، وخطبه في ذلك تُعدّ من الأسس أو القواعد الثابتة لعلم الكلام ، ومن الأصول المهمّة في درك المباني العقائدية الصحيحة.
أمّا الجانب الثاني في كلامه عليهالسلام هو الكشف عن الأبعاد العلمية للحياة الصالحة التي ينشدها كلّ فرد(١) ، والأُسس التي تقود المجتمع إلى السعادة والخير. ممّا دعى الإمام عليهالسلام أن يتطّرق إلى البعد التربوي والأخلاقي بشكل مكثّف ومتواصل وهكذا تطرّق للبعد التعليمي والسياسي والاقتصادي ، وغيرها من الأبعاد التي تخلق مجتمعاً متماسكاً يعي قدراته ويحترم مسؤولياته ، فالفرد أساس المجتمع ، والشريعة الغرّاء جاءت لتهذيب هذا الفرد ، وإرشاده إلى الطريق السوي كي ينتج من ورائه مجتمعاً سويّاً. وكلام أمير المؤمنين عليهالسلام لا ينأى عن هذا التهذيب والإرشاد.
ولمّا كان هدف الإمام عليهالسلام هو سلوك الإنسان فقد انصبّ كلامه على هذا المخلوق في سيره التكاملي ابتداءً من مرحلة طفولته وحتى أواخر مراحله الدنيويّة ، بل الاستمرار في توجيهه بشكل يحرز فيه الإنسان حياته الأخروية وفق مرضاة الله سبحانه ، لأنّ الحياة الأبدية هي الآخرة وهي الغاية المنشودة.
إذن هدف أمير المؤمنين عليهالسلام وطموحاته النبيلة أغنته عن ذكر الملوك
__________________
(١) لم نقل الحياة المثالية لأنّها هي أنشودة النخبة من الناس أو علّية المجتمع.