والسّلاطين ما خلا بعض كلامه في صدد حقّه المغتصب ، فهو لم يمدح ولم يستعطف أحداً منهم ، ولم يكن قريناً ولا عضداً لذوي النفوذ وأهل الكبرياء والمردة ، بل حذّر الناس منهم ؛ لكونهم طغاة مفسدين ، ولكونهم دعاة الكفر والتمرّد على نواميس الحياة ثمّ دعا الناس إلى الله ، فكانت دعوته هي دعوة الشريعة الغرّاء إلى التوحيد وتقوية روح العبودية لله سبحانه.
وعليه لم يكن ما نطق به أمير المؤمنين عليهالسلام تعبيراً عن عاطفة ذاتية مجرّدة عن المثل والقيم الإنسانية ، ولم يمجّد أحداً من الملوك والأكاسرة والفراعنة ، بل كرّس قوله عليهالسلام في صنع الإنسان وتقوية عزيمته وصبره ليفز بحياة رغيدة ، لذا مدح الفقراء وأثنى على صبرهم وعفّتهم في السرّاء والضرّاء ، وأكّد على حقوقهم التي هي في رقاب الأغنياء ، ثمّ أشاد عليهالسلامبجهاد الضعفاء والمساكين والوقوف إلى جانبهم لنصرتهم ، ومواساته لهم قولاً وعملاً.
ومن الضروري أن أشير في هذه المقدّمة إلى عدّة أمور :
منها ما يخصّ فصاحة الإمام عليهالسلام.
ومنها ما يرتبط بعمل الشريف الرضي.
وثالثها ما يخصّ الموضوعات التي تطرّق إليها أمير المؤمنين عليهالسلام ، والأمر الرابع دواعي الكتابة في هذا الموضوع.
أمّا الأمر الأوّل : فصَاحته عليهالسلام :
لا يخفى أنّ شهرة الإمام في الفصاحة والبلاغة هي من المسلّمات بحيث لا يختلف فيه اثنان ، بل حتّى أعداؤه يقرّون له هذه الفضيلة ؛ فهذا «محقن الضبّي قدم على معاوية فقال : جئتك من عند أعيى النّاس. فقال له