«أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ، وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ، كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»(١).
وقد علق الرازي على الآية الكريمة بأن الارواح البشرية لها أربع مراتب في المعرفة ، فالاولى كونها مستعدة لقبول المعارف ، والارواح تختلف في درجات هذا الاستعداد ، فبعض الارواح لديها استعداد كامل قوي شريف ، وبعضها يكون استعدادها ضعيفا قليلا. والمرتبة الثانية أن يحصل لها العلوم الكلية الاولية ، وهي المسماة بالعقل. والمرتبة الثالثة أن يحاول الانسان تركيب البديهيات ليتوصل بتركيبها الى معرفة المجهولات الكسبية ، فاذا شاء استرجاعها واستحضارها قدر عليه اذا كانت غير حاضرة بالفعل ، والمرتبة الرابعة أن تكون تلك المعارف القدسية والجلايا الروحانية حاضرة بالفعل يستضيء بها جوهر ذلك الروح.
فالمراد بقوله تعالى : «فَأَحْيَيْناهُ» هو أن تحصل العلوم البديهية الكلية فيه. والمراد بقوله تعالى : «وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً» هو تركيب البديهيات حتى يتوصل بتركيباتها الى تعرف المجهولات النظرية ، والمراد بقوله تعالى : «يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ» هو الاشارة الى كونه مستحضرا الجلايا القدسية ناظرا اليها.
ويمكن أن يقال : الحياة عبارة عن الاستعداد القائم بجوهر الروح ، والنور عبارة عن ايصال نور الوحي والتنزيل ، فانه لا بد في الابصار من سلامة الحاسة وطلوع الشمس ، والبصيرة لا بد فيها من أمرين : سلامة حاسة العقل ، وطلوع نور الوحي والتنزيل ، ولهذا قيل ان النور في الآية
__________________
(١) سورة الانعام ، الآية ١٢٢.