وقال حكيم لابنه : «اجعل لاقتصادك سلطة على افراطك ، فانك اذا قدرت الامور على ذلك ، وزنتها بميزان الحكمة ، وقومتها تقويم الثّقاف ، لم تجعل للندامة سلطانا على الحلم».
ومن أجمل ما قرأت في الحث على فضيلة التقدير للامور ، والنظر الى العواقب ، والموازنة بين الاشباه والنظائر ، والتلفت الى مختلف جوانب الامور ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنه الحسن ، في وصيته المشهورة التي كتبها اليه وهو منصرف من بلدة «حاضرين» ناحية صفين ، حيث يقول له فيها :
«واعلم أن أمامك طريقا ذات مسافة بعيدة ، ومشقة شديدة ، وأنه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد. وقدّر بلاغك من الزاد ، مع خفة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون ثقل ذلك وبالا عليك.
واذا وجدت من أهل الفاقة (الفقر) من يحمل لك زادك الى يوم القيامة ، فيوافيك به غدا ، حيث تحتاج اليه ، فاغتنمه وحمّله اياه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر ، فلعلك تطلبه فلا تجده ، واغتنم من استقرضك في حالة غناك ، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك.
واعلم أن أمامك عقبة كؤودا (صعبة) المخف فيها أحسن حالا من المثقل ، والبطيء عليها أقبح حالا من المسرع ، وأن مهبطك بها ـ لا محالة ـ على جنة أو على نار.
فارتد لنفسك قبل نزولك ، ووطّىء المنزل قبل حلولك ، فليس بعد الموت مستعتب ، ولا الى الدنيا منصرف».
ما أروعها من كلمات عميقة دقيقة ، تصور فضيلة التقدير كأنها الحلية الاساسية النفيسة للعقلاء وما أشد حاجة الناس الى هذه الفضيلة النادرة. ان الناس محتاجون الى التقدير في التفكير ، حتى لا يجمح بهم