وهو في وسطه كحال النقطة من الدائرة ، فان النقطة هي المركز الذي عليه استدارة المحيط ، ونسبة جهات المحيط اليها نسبة واحدة ، وكل جزء من أجزاء المحيط مقابل لها ، كذلك الثقة هي النقطة التي يدور عليها التفويض.
وكذلك قوله : سويداء قلب التسليم ، فان القلب أشرف ما فيه سويداؤه ، وهي المهجة التي تكون بها الحياة ، وهي في وسطه ، فلو كان التفويض قلبا لكانت الثقة سويداءه ، ولو كان عينا لكانت سوادها ، ولو كان دائرة لكانت نقطتها».
ولقد تكررت كلمة «الميثاق» في القرآن ، وهي تفيد معنى العهد المؤكد ، الذي يفي به الانسان ويخلص له ، لأنه يعقده مع مستحق الثقة كلها ، وهو الله جل جلاله الذي تؤمن به النفس وتثق فيه وتطمئن اليه ، وها هو ذا كتاب الله المجيد يقول مثلا :
«وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ»(١).
ونحن نفهم من «المواثقة» هنا أن العباد يثقون بربهم الى درجة اليقين ، ويكون العبد وفيا لربه قدر طاقته ، ويحفظ ميثاقه مع ربه قدر ما يستطيع ، ومقابل هذا ان الله لا يخلف وعده ، ولا يخون عهده : «وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ»؟. فكأن الله تبارك وتعالى قد أثاب ثقة العبد بمثلها ، بل بأكرم منها ، ولله المثل الاعلى.
وآيات القرآن تشير الى أن الله عز شأنه قد أخذ الميثاق ـ وعماده
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ٧.