والظلم ، وانما أهلكهم ويهلكهم بظلمهم وافسادهم فيها ، كما ترى في الآيات العديدة من هذه السورة (هود) وغيرها.
وفي الآية وجه آخر ، وهو أنه ليس من سنته تعالى أن يهلك القرى بظلم يقع فيها ، مع تفسير الظلم بالشرك وأهلها مصلحون في أعمالهم الاجتماعية والعمرانية ، وأحكامهم المدنية والتأديبية ، فلا يبخسون الحقوق كقوم شعيب ، ولا يرتكبون الفواحش ، ويقطعون السبيل ، ويأتون في ناديهم المنكر ، كقوم لوط ، ولا يبطشون بالناس بطش الجبارين كقوم هود ، ولا يذلون لمتكبر جبار يستعبد الضعفاء كقوم فرعون.
بل لا بد أن يضموا الى الشرك الافساد في الاعمال والاحكام ، وهو الظلم المدمر للعمران.
ويحتمل أن يراد انه لا يهلكها بظلم قليل من أهلها لانفسهم ، اذا كان الجمهور الاكبر منهم مصلحين في جل اعمالهم ومعاملاتهم للناس. أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي ، عن جرير بن عبد الله قال :
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسأل عن تفسير هذه الآية ، فقال : «وأهلها ينصف بعضهم بعضا». وروى موقوفا على جرير رضي الله عنه. فتنكير الظلم في هذا للتقليل والتحقير ، وفيما قبله للتعظيم ، وهو مأخوذ من قوله تعالى :
«إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»(١).
والآية تدل على أن اهلاك المصلحين ظلم ، فلذلك يتنزه الله عنه.
وذكر المفسرون في الوجه الثاني القول المشهور عن تجارب الناس ، وهو : ان الامم تبقى مع الكفر ، ولا تبقى مع الظلم».
__________________
(١) سورة لقمان ، الآية ١٣.