شيئا واحدا ، حتى ان الطبرسي في «مجمع البيان» يقول : «الصفح والعفو والتجاوز بمعنى». ولقد كتبت عن خلق «العفو» في الجزء الاول من كتابي «أخلاق القرآن» على أساس ان الصفح غير العفو ، لأن الصفح أبلغ من العفو وأعلى منه درجة ، فقد يعفو الانسان ولا يصفح. ولذلك جاء في «مفردات القرآن» : الصفح أبلغ من العفو ، ولذلك قال القرآن الكريم : «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا» ويقول القرطبي : العفو ترك المؤاخذة بالذنب ، والصفح ازالة أثره من النفس. وفي «تفسير المنار» العفو ترك العقاب على الذنب ، والصفح الاعراض عن المذنب بصفحة الوجه ، فيشمل ترك العقاب وترك اللوم والتثريب.
ومن شرف فضيلة الصفح أن الله تبارك وتعالى أمر بها نبيه محمدا صلىاللهعليهوآله ، فقال له في سورة الزخرف :
«فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(١).
فقد أمره ربه بأن يصفح عنهم ، وفي ضمن ذلك منعه من أن يدعو عليهم بالعذاب ، بل يرجو لهم الهداية والرحمة ، وأمره بأن يقول لهم : سلام.
يقول ابن كثير في الآية : «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ :» أي المشركين. وقل سلام : أي لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام ، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلا وقولا. فسوف يعلمون : هذا تهديد من الله تعالى لهم. ولهذا أحل بهم بأسه الذي لا يرد ، وأعلى دينه وكلمته ، وشرع بعد ذلك الجهاد والجلاد ، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا ، وانتشر الاسلام في المشارق والمغارب».
__________________
(١) سورة الزخرف ، الآية ٨٩.