كانوا يقولون إنا نرى أن نشهد ولو في جزرة بقل.
(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) يحتمل البناء للفاعل والمفعول. ويدل عليه أنه قرئ : ولا يضارر (بالكسر والفتح) والمعنى نهي الكاتب والشهيد عن ترك الإجابة إلى ما يطلب منهما ، وعن التحريف والزيادة والنقصان ، أو النهي عن الضرار بهما ، بأن يعجلا عن مهمّ.
قال الحراليّ : في الإحنة تعريض بالإحسان منه للشهيد والكاتب ليجيبه لمراده ، ويعينه على الائتمار لأمر بما يدفع من ضرر ، عطلته واستعماله في أمر من أمور دنياه. ففي تعريضه إجازة لما يأخذه الكاتب ومن يدعي لإقامة معونة في نحوه ممن يعرض له فيما يضره التخلي عنه.
(وَإِنْ تَفْعَلُوا) أي ما نهيتم عنه من الضرار (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي خروج بكم عن الشرع الذي نهجه الله لكم. قال الحراليّ : وفي صيغة (فعول) تأكيد فيه وتشديد في النذارة.
(وَاتَّقُوا اللهَ) أن يعذبكم بالخروج عن طاعته (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) أحكامه المتضمنة لمصالحكم (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولما كان التقدير : هذا إذا كنتم حضورا يسهل عليكم إحضار الكاتب والشاهد ، عطف عليه قوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٢٨٣)
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) أي مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) أي فالذي يستوثق به رهان مقبوضة يقبضها صاحب الحق ، وثيقة لدينه. هذا إذا لم يأمن البعض البعض بلا وثيقة (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) لحسن ظنه به واستغنى بأمانته عن الارتهان (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ) وهو المدين. وإنما عبر عنه بذلك العنوان لتعينه طريقا للإعلام ، ولحمله على الأداء (أَمانَتَهُ) أي دينه. وإنما سمي أمانة لائتمانه عليه بترك الارتهان به (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في رعاية حقوق الأمانة. وفي الجمع بين عنوان الألوهية وصفة الربوبية من التأكيد والتحذير مالا يخفى (وَلا تَكْتُمُوا) أيها الشهود (الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).